لفتت «صديقة قارئة»، نظري لجملة: «مرَّ عليهم مرور الكرام»، وكيف أن لها معنيين، سلبي، وذلك عندما يقوم شخص بمعالجة موضوع ما بخفة، فيمر عليه من دون اكتراث كبير بالتفاصيل، اي يمر عليه مرور الكرام، من دون أن يعطي المسألة حقها من الاهتمام، وإيجابي، وذلك يقوم عزيز النفس بجعل مروره على مجالس الغير خفيفا، فلا يثقل عليهم بطول جلوسه، ولا بكثرة كلامه! وبالتالي فإن من مظاهر الكرم عدم مضايقة الآخرين.
نذكر ذلك في ظل الردود العديدة التي وردتني على مقال «الكرم والتطوع عند العرب»، وغيرهم. فقد اتفق الصديقان القارئان، (شريف وسامي) على أن ما ذكرته عن غياب خصلة أو فضيلة التطوع بيننا غير صحيح! فنحن، من بين كل شعوب الأرض، أكثر الناس تطوعا، وعلى استعداد دائم له، ولكن فقط لقتل الآخر وتخريب بيته وحرق زرعه، وتشتيت شمله، وهذا ما يفعله «داعش» الذي يتكون جيشه من مجموعة من المتطوعين المجانين.
وتقول القارئة يسرا، إنها فوجئت، وهي تقف أمام صراف السوبر ماركت في كوبنهاغن، بتعطل جهاز الدفع الآلي، وإن عليها دفع 50 كرونة، ثمن مشترياتها نقدا. وخجلت، واحمر وجهها، لأنها لم تكن تحمل اي مبلغ معها، وهنا تقدمت سيدة كبيرة في السن، تقف خلفها مباشرة، وأعطتها ورقة مالية بمئة كرونة، وطلبت منها سداد ما عليها، وأنها اخذت المبلغ منها بصورة عفوية، ودفعت حسابها، واسرعت للخارج متجهة لجهاز السحب الآلي، ولكن قبل ان تسحب المبلغ، لاحظت أن تلك السيدة تتجه نحو سيارتها، فركضت خلفها وأوقفتها، وشكرتها على إنقاذها من موقف محرج، وهي الغريبة، وطلبت منها انتظارها لحين قيامها بسحب المبلغ من الآلة، ودفع ما عليها. ولكن السيدة ابتسمت، ورفضت الانتظار، وقالت لها ما معناه، أن عليها ان تفعل الشيء ذاته مع غيرها.
وتستطرد يسرا قائلة انها عادت للكويت، وبعد شهر وجدت سيدة في جمعية الروضة في الموقف نفسه الذي كانت فيه في كوبنهاغن، حيث رفض الجهاز قبول بطاقتها الائتمانية، فسارعت يسرا ومدت لها يدها بمبلغ عشرين دينارا، لسداد ما عليها، وهنا نظرت إليها السيدة بكل تعجرف واشمئزاز، ورفضت أخذ المبلغ منها، مما أشعرها بحرج كبير، وأحست بالعرق يتصبب منها.
وقال قارئ آخر إن زوجته اضطرت للخضوع لعملية جراحية دقيقة في العاصمة البلجيكية، بروكسل، وتطلب الأمر بقاءها في العاصمة لخمسة أسابيع. كما تطلب الأمر القيام بتغيير ضمادات جرحها عدة مرات في الأسبوع. وهنا قام صاحبنا بسؤال المستشفى إن كان بالإمكان الاستعانة بمن يقوم بذلك العمل مقابل أجر، فقيل له إن عليه الاتصال بـ«الصليب الأصفر» الذين سيقومون بإرسال ممرضات متخصصات للقيام بعملية تغيير ضمادات الجرح. وقال القارئ إنهن حضرن وقمن بعملهن طوال الفترة، خير قيام، وعندما حاول دفع شيء مقابل ذلك رفضن ذلك بحجة أنهن متطوعات، ولا يبتغين أجرا، غير الشعور بالسعادة على تقديم خدمة لمحتاج!
ويتساءل صاحبنا في رسالته قائلا: هل هناك كرم افضل من هذا؟ ولماذا انحصر مفهومه عندنا بذبح المواشي، وإقامة الولائم المسرفة، ولا شيء غير ذلك؟