انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقال، كتبه الأردني بسام روبين، وهو عميد متقاعد، عن مقولة تنسب لتشرشل تتعلق بارتباط صفة الخيانة بالعرب، دون غيرهم.
في المقال أخطاء لزم التطرّق اليها قبل الحديث عن المقولة، حيث ورد فيه أن تشرشل «شغر» منصب رئيس وزراء بريطانيا عام 1940 والصحيح أنه «شغل» المنصب عام 1941، والأصح أن هذا تقليل مخل بقدره، فقد كان رئيس الوزراء الأشهر في التاريخ البريطاني، حيث تسلم قيادتها، وهي وأوروبا، في قمة درجات اليأس والخوف من بطش الآلة العسكرية النازية، واكتساحها للمدن الأوروبية، الواحدة تلو الأخرى. وكانت فترة رئاسته الأشد خطورة في التاريخ الحديث، ولذا صنف تشرشل أعظم قائد في القرن العشرين.
كما وصف الكاتب صدام حسين بأنه «شهيد»، وهذه سقطة شاركه فيها كثير من عباقرة الأمة «وأحرارها»، في معرض حديثه عن خيانة العرب لصدام!!
نعود للمقولة، ونصها: إذا مات الانكليز ماتت السياسة، واذا مات الروس يموت السلام، واذا مات الطليان يموت الايمان، واذا مات الفرنسيون يموت الذوق، واذا مات الالمان تموت القوة، واذا مات العرب تموت الخيانة!
طبعاً هذا كلام فارغ، فليس صحيحا أن الذوق محصور في الفرنسيين، ولا الإيمان مقتصر على الطليان، ولكن هذا ليس موضوعنا.
كلام تشرشل عن شهرة العرب في خيانة من ائتمنهم ليس بالجديد، إن صح ما نقل عنه! فقد سبق ذلك جملة شهيرة، وصف فيها الأتراك العرب، بعد انهيار الدولة العثمانية، بـ «عرب خيانات»، والتي أطلقوها بعد وقوف فريق من العرب مع الإنكليز ضدهم، في سعيهم للتخلص من حكم العثمانيين، وكأنه مطلوب من العرب البقاء تحت نير الاحتلال التركي وتفضيله على غيره، لكي لا يكونوا «عرب خيانات»!
أما موضوع الخيانة، بشكل عام، فهو أصلا مرتبط بالمقولة، الإنكليزية السياسية الشهيرة، «لا توجد صداقات دائمة، بل مصالح دائمة». وبالتالي عندما تتغلّب مصلحة دولة أو شخص، أو مجتمع ما، على الصداقة فغالبا ما يتم هجر الأخيرة لصالح المصلحة. وتشرشل نفسه هوجم كثيرا، وأنا أقرأ حاليا سيرة زوجته، كلمنتين، وانتقد بشدة لخيانته حزب الأحرار، الذي كان عضوا فيه، والذي وفر له كل سبل النجاح، وانتقل لحزب المحافظين المنافس. وبالتالي لا تكاد تخلو سيرة أي دولة من الخيانة، حتى الأفراد يقومون بهجر صداقات من أجل تحقيق مصالحهم، حسب ظروف كل شخص.
وأعتقد شخصيا ان موضوع الخيانة ارتبط بالعرب، أكثر ما ارتبط، من خلال تاريخ بعض القبائل في الجزيرة العربية، وتغيّر ولاءاتها بين يوم وليلة، ونقل السيف أو البندقية من الكتف للآخر، طبقا لمن يدفع أكثر، وربما كانت قسوة العيش وقلة الموارد تدفعهم الى ذلك.
كما اشتهر عن الكويتيين رفضهم التعاون مع قوات صدام، عند احتلاله وطنهم، وفشله في تجنيد «واحد» للتعاون معه، بإرادته! ولكن موضوع الخيانة نسبي، فعندما كنت أدير فيه، مع مجموعة جميلة من المواطنين، لجنة إعاشة «اللاجئين» الكويتيين في الرياض، قام آلاف «المواطنين الكويتيين»، بغشنا وخيانة دولتهم من خلال تقديم مستندات مزورة، وقبض مبالغ الإعاشة أكثر من مرة لنفس العائلة، من دون وجه حق، وهذا قمة خيانة وطن جريح!