تصلح قضية العلاج في الخارج لأن تكون نموذجا يقاس عليه الأداء الحكومي المترهل في أغلب قطاعات الدولة، كما يمكن أن نجعله قصة تُروى للأجيال كشاهد على حقبة زمنية من تاريخ الكويت، أصبح كل ما فيها يصلح أن يكون عنوانا للتراجع والانحدار.
تم اختراع موضوع العلاج في الخارج كحل استثنائي، بسبب ضعف المستشفيات الحكومية في الداخل، وعدم توفر الإمكانات الطبية اللازمة، وكان من المفترض أن يبقى هذا الوضع مؤقتا، إلى حين توفير وتطوير الإمكانات الطبية، وبعد ذلك يتم تعديل هذا الوضع الاستثنائي، ويُغلق هذا الباب إلى الأبد؛ لانتفاء الحاجة إليه، لكن مع مرور الأيام تضخم ملف العلاج في الخارج، وتحول إلى كيان مواز للعلاج الحكومي في الداخل، وصار الوضع الاستثنائي حالة طبيعية بل وضرورية، بعد أن ثبت بأن ورقة العلاج في الخارج يمكن استعمالها لأغراض أخرى!
كان من المفترض أن يكون القرار الذي اتخذ الأسبوع الماضي، بإيقاف إرسال المرضى إلى الخارج ثمرة للانتهاء من تطوير الخدمات الطبية، وبعد أن تصبح مستشفيات الكويت قادرة على استيعاب جميع المواطنين والمقيمين بمختلف حالاتهم، فهذا هو الوضع الطبيعي والمبرر المقبول لقرار الإيقاف، لكن الواقع أن قرار الإيقاف سياسي بامتياز، كما كان الكثير من قرارات إرسال بعض المرضى سياسية أيضا، فقد تحول العلاج في الخارج في معظم الاحيان إلى أداة للترضيات والمكافآت وشراء الولاءات، فبرزت ظاهرة العلاج السياحي، الذي كان بعلم ورعاية وزارة الصحة وبعض المسؤولين، الذين كانوا يصدرون تلك القرارات، حيث صار عدد الحالات التي يتم ارسالها بموافقة اللجنة العليا أكثر من الحالات التي يتم ارسالها بموافقة اللجان الطبية المتخصصة (حسب الإحصاءات الرسمية للوزارة)، وذلك مؤشر واضح على مدى العبث، الذي يحصل في هذا الملف وبرعاية عليا من وزارة الصحة، فاختلط المستحق للعلاج بغير المستحق، وتضخمت ميزانية العلاج في الخارج (نصف مليار دينار تقريبا)، وصار هذا الملف أشبه بالفضيحة السياسية، ليأتي بعد ذلك قرار الإيقاف كردة فعل غير متزنة لواقع سيئ صنعته وزارة الصحة بتعاقب الوزراء عليها، وتحت نظر الحكومة وصمتها، وربما مباركتها!
أصل المشكلة هو تردي الخدمات الصحية، ولما تم تجاهل هذا الأصل، وعدم البحث عن حلول جذرية، وتم اختراع الحلول الترقيعية، تحول الحل إلى معضلة قائمة بذاتها، وصارت أي محاولة حل قد تؤدي إلى كارثة.. وعلى هذه المعضلة يمكن قياس بقية مشاكل البلد!