أكتب المقال بشكل دوري ومستمر منذ اثني عشر عاماً تقريباً، بدءاً من جريدة “الطليعة”، مروراً بمجلة “أبواب” وانتهاءً بجريدة “الجريدة”، بالإضافة إلى بعض الكتابات هنا وهناك، أكثر من 500 مقال كتبتها طوال تلك المدة، وهي حصيلة معقولة برأيي وكفيلة بأن تمكنني من معرفة النطاق المناسب للكتابة، وتلافي أي محاذير قانونية قد أواجهها إذا كتبت في اتجاه معين.
ولمن لا يعلم فإن كل ما أكتبه ويكتبه الزملاء في الصحف الورقية على الأقل يخضع لمتابعة من القائمين على الصحف للتأكد من السلامة القانونية لما يُكتَب، وطوال فترة كتابتي تخطيت بعض الحدود القانونية، وهو ما كاد يسبب لي مشاكل وملاحقات قضائية لولا حرص الإدارات الصحافية التي تعاملت معها على تقويم بعض الكتابات وإلغاء البعض الآخر إن تطلب الأمر، حماية لي وللجريدة، وأنا ممتن جداً لهذا الأمر.
وما زلت بعد مرور 12 عاماً على الكتابة الصحافية أقع في المحظور قانوناً أحياناً، ولعل آخرها قبل أسبوعين من اليوم، حيث تعذر نشر مقال لي في “الجريدة” تحاشياً لأي ملاحقة قانونية.
12 عاماً من الكتابة وأكثر من 15 سنة من العمل في الشأن العام، طلابياً وسياسياً واجتماعياً، ومتابعة مئات المقابلات والندوات والمقالات والاجتماعات ومازلت أقع في المحظور أحياناً.
في منتصف الألفية الجديدة ظهرت على الساحة العالمية وسائل تواصل إلكتروني متعددة من المدونات والفيسبوك وتويتر وغيرها، وانضم المجتمع الكويتي إلى ركب تلك الوسائل وأصبح التعبير عن الرأي بشكل عام متاحاً للجميع، دون النظر إلى سن معينة أو قدرات تعبيرية أو أسلوب أو فكرة، ودون وجود أي مراجعة مسبقة من أشخاص على دراية بالقوانين لما يكتبه صاحب الحساب بوسائل التواصل، فكانت النتيجة آلاف الكلمات غير اللائقة ومئات القضايا بين الأفراد، على خلفية استخدام وسائل التواصل تلك، ومازالت القضايا مستمرة.
من جانب آخر، فقد كانت الدولة طرفاً في رفع تلك القضايا والملاحقات ضد مستخدمي وسائل التواصل، وهو أمر مفهوم أيضاً لمحاسبة من يتجاوز الحدود القانونية، أما ما هو غير مفهوم بالنسبة لي فهو معاملة هؤلاء الأفراد كما تعامل الصحف والمطبوعات الرسمية، فمن غير المعقول التعاطي مع أفراد يتفاوتون في إمكانياتهم وقدراتهم التعبيرية كأنهم صحيفة عريقة يعمل بها عشرات الأشخاص من إدارات تحرير وإدارات قانونية ولغوية وغيرها، فعندما يسيء شخص ما التعبير في وسائل التواصل فأنا أعتقد أن شرح مقصده أو الاعتذار عما كُتب أو مسحه كفيل بأن يوقف أي ملاحقة قانونية له، إلا أن هذا الأمر غير حاصل من الدولة للأسف الشديد.
ولنا في مثال الزميلة سارة الدريس خير دليل على ما أقول، فقد كتبت مجموعة من العبارات أدت إلى فهم مغلوط لدى البعض، فما كان منها إلا أن كتبت سلسلة من التوضيحات لمقصدها، ومع هذا نجد الدولة تلاحقها قضائياً بل تقوم باحتجازها على ذمة التحقيق أكثر من 20 يوماً على عبارات تم شرح القصد منها قبل الملاحقة القضائية!
على الدولة أن تتفهم أولاً أن الأفراد ليسوا كيانات صحافية تعمل باحتراف، وهو ما يعني أن وقوعهم، أي الأفراد، في الأخطاء أكبر بكثير من الصحف، وعليها أن تراعي أن مستقبلاً كاملاً قد يضيع بسبب إساءة تعبير ولحظات تهوّر يمر بها الكثيرون، وأن التوعية بالمحاذير القانونية أهم بكثير من تلك الملاحقات، فإن كنا نعتبر من يخطئ من الأطفال في الجرائم أحداثاً لا تطبق عليهم عقوبات الراشدين فيجب أيضاً أن نتعاطى وفق نفس المنطق مع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فكثير منهم يعتبرون أحداثاً في الكتابة والتعبير والمعرفة القانونية، ومن غير المنطقي معاملتهم كالصحف ووسائل الإعلام الرسمية.