أخذ صديقي، وهو رجل أعمال متوسط الحال، ولا يصنف من فئة الهوامير، التي تلاحقها مناقصات الخير أينما سارت، يتحدث بأسى على غير عادته، يقول إنه يفكر بجدية في أن يجعل له محل إقامة بصورة شبه دائمة خارج الكويت، ربما في إسبانيا أو البرتغال، فكلتا الدولتين تمنح الأجنبي حق إقامة دائمة وفيزا “شنغن” متى امتلك بيتاً بسعر معين، يقول إنه يشعر بإحباط كبير، ولا يرى أي بصيص أمل للقادم، فالوضع بالدولة يمضي من سيئ لأسوأ، وليس هناك من يشعرك بأن طاقة نور ستفتح، وأن حلماً جميلاً سيشع جمالاً في هذا الليل الطويل.
يقول صديقي المحبط إنه يشعر بقلق كبير في السنوات القليلة الماضية، وهو ليس قلقاً من الموت أو المرض بسبب كبر السن وفقدان بهجة الشباب، إنما قلق من ظلام المجهول بالدولة الذي سد كل سبل الغد، ولا يجد في إدارة الدولة من يمسك بيده مصباحاً لينير دروب الغد، يقول صديقي هي ليست مسألة أسعار نفط وتهاوت، فكلنا سواء كنا أصحاب أعمال حرة أو تجاراً أو موظفين في الدولة نعتمد على هذه السلعة، وأمر طبيعي أن تلسعنا حرارة رحيل سنوات الرخاء، وإنما هي أزمة ثقة بالإدارة، هي إدارة مفروضة علينا، لا نستطيع مجرد مناقشتها، فما بالك إقناعها لتغير رأيها أو نهجها، فهذا النهج ثابت على عناده كالجبال الرواسي، فمثل يا جبل ما يهزك ريح كأنه مفصل على مقاس الجماعة هنا، ويا سبحان الله على الصدف.
يضرب هذا الصديق مثلاً، عن شركتين متماثلتين تماماً في النشاط التجاري، وخصصت لكل واحدة منهما مليون دينار كاستثمار فيهما، وتركتهما لفترة من الزمن لتعود وتبحث عن استثمارك، فتجد أن الأولى خسرت المليون واستدانت مليوناً آخر، والثانية حققت ربحاً يساوي المليون، الفرق بين الشركتين بسيط، هو الإدارة، واحدة أعسرت لسوء الإدارة، والثانية حققت نجاحها لحسن إدارتها!
يكمل هذا الصديق حديثه المهموم بأنه ليس له اهتمام كبير بالشأن السياسي، لكن الأمر “السياسي” يفرض نفسه عليه، يقفز على رقبته، وهو لا يملك حولاً ولا قوة ان يقول حتى رأيه في أبسط الأمور، دائرة الحريات تضيق يوماً بعد يوم، ولا تستطيع أن تعترض أو تنتقد إلا بحدود “التدجين” المسموح به، تخيل أن للحريات خطاً بيانياً، دقق النظر فيه ستجد أنه في القمة في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ثم يبدأ بالانحدار مع كل عقد يمضي حتى نصل للقاع الآن (وربما لم نصل بعد) وأعتقد أن القادم أسوأ كما قلت لك، هو غرامشي الذي قال إن الأزمة تكمن في أن القديم يموت ولا جديد يحل مكانه.
ويتابع صديقي حديثه: تابع أخبار جرائدنا، وهي بالمناسبة لا تختلف عن بعضها بغير أسمائها، والسبب هيمنة الرقابة وقوانين السواد التي شرعت من قبل، لن تجد غير الخواء بالمناشيت والتعليق الصحافي، وزواياكم تعيد وتكرر كلاماً مستهلكاً ليس فيه إبداع ولا تجديد، أفهم تماماً وضعكم حين تكتبون داخل أقفاص المسموح التي يجثم فوقها حرس السلطة وحرس أصحاب النفوذ المالي وحرس دعاة الفضيلة، حالكم من حال الجميع، انسداد الأفق السياسي، وسطوة الرأي الأوحد أضاعا كل أمل بحرية التجديد وحيوية الكلمة.
ماذا بعد، يمكن أن أضيفه، هناك الكثير والكثير يمكن أن أقوله لك، وكلانا يعرف ماذا يمكن أن يقال وماذا يمكن أن يسمح بنشره، دعني فقط أكرر ما قلته بأن الأمور سيئة وتمضي نحو الأسوأ، و”تسد النفس”… عن إذنك لدي موعد لاستخراج فيزا “شنغن”… سأترككم مع عاصفة غالون البنزين وصبوحة خطبها نصيب.