في معظم المطارات، ومنها مطار الخيبة الكويتي، هناك “فاست تراك” أي خدمة المسافر السريعة لركاب “بيزنس” والدرجة الأولى، ركاب هاتين الدرجتين من المحظيين مالياً لا ينتظرون دورهم في الطابور الطويل عادةً لركاب الدرجة السياحية الذين ربما اقترضوا قليلاً أو كثيراً كي يتنفسوا نسائم حياة مختلفة لا يطحنها يومياً روتين الملل والخواء في بلد “شنو ناقصكم، ماكلين، شاربين… إلخ إلخ” حسب أدبيات السلطة.
المهم أن ركاب “الفاست تراك” لا ينتظرون طويلاً، فالمقابل المادي لسعر التذكرة المرتفع يوفر لهم الراحة من عناء الانتظار في الطوابير، وفكرة “الفاست تراك” تمثل وضعاً رسمياً في المطارات، لكن هناك أيضاً “فاست تراك” غير رسمي نجده في معظم المؤسسات العامة المرتبطة بخدمة المواطن، وهي خدمة مجرمة “نظرياً” حسب القانون، لكنها تصبح، في مثل ظروفنا الرديئة، ضرورة يكاد يكون من المستحيل تجاوزها.
خذوا مثلاً، معاملة توصيل الكهرباء والماء لعقار ما، إذا تركت الأمور لمزاج الإدارة القاتل التي تبدأ بعبارة صاعقة من الموظف المسؤول “طلب التوصيل ناقص… كابل الكهرباء غير متوفر الآن… راجع البلدية…” فستطول إجراءات المعاملة إلى ما لا نهاية، وقد يموت صاحبها قهراً دون أن تنتهي، لذلك ابتدعت العقلية الإدارية الاتكالية المترهلة الفاسدة، سواء في هذه الوزارة أو غيرها، خدمة “الفاست تراك” تحت عنوان “دهان السير ولا يخدم بخيل”، أي الرشوة، إذ يمكن الدفع من تحت الطاولة لإنهاء معاملة سريعاً، وهي معاملة لا تخالف القانون، لكنها أصبحت مستحيلة بسبب الرداءة الإدارية، والتي يتوعد كل وزير أو مسؤول كبير بالقضاء عليها، ثم ننتهي بحكمة “الشق عود… وانفخ يا شريم”.
أين المشكلة لو تم تقنين وتشريع تلك الخدمة وغيَّرنا وصفها من كلمة “مجرمة” مثل الرشوة إلى وصف خدمة “الفاست تراك”، لنوفر على المراجعين الوقت والمعاناة حين يدفعون ثمن الضياع في دهاليز الإدارات السيئة؟ ماذا لو أقرت الإدارة بواقع الفساد المتمثل في الرشا والمحسوبيات، وأرست “هيئة خاصة” مثل بقية هيئات التنفيع الكثيرة لتلقي طلبات الخدمة السريعة بدلاً من المكابرة بالثرثرة والوعود عن محاربة الفساد والمحسوبية دون جدوى بعد أن أصبح هذان المرضان القاتلان جزءاً أصيلاً من التركيبة السياسية والإدارية للدولة؟
“الفاست تراك” سيكون لخدمة مَن لا واسطة ولا معارف أو أقرباء لديهم في الإدارات العليا، سيكون عوناً لليائسين الذين كرهوا حكم القانون بعد أن شاهدوا كيف يتم تنفيذه بعشوائية وانتقائية… مخجل أن نطالب بهيئة خاصة لتتلقى طلبات الخدمة السريعة وتغيير مسماها المجرَّم المفترض من “هيئة الرشا والمحسوبيات” سابقاً إلى خدمة “الفاست تراك”، لكن ماذا نعمل بعد أن يئسنا من الإصلاح، ولم تعد الأمور تتحمل أكثر من ذلك…. ما العمل معكم؟!