دائماً مع كل حكاية فشلٍ سياسي أو إداري أو مالي لابد من كبش فداء، أي مشجب يتم تعليق أسباب الخيبة المربعة عليه، كي يبقى الكبار رؤوسُ البلاء فوق اللوم وفوق المساءلة، في الدول التي يظل يهيمن فيها رموز الدائرة المغلقة من أصحاب السلطة على إدارة الدولة من المهد إلى اللحد، فلا تداول للسلطة، ولا مساءلة سياسية حقيقية بالتالي.
بالأمس، وجد مجلس الوزراء مشجبه وكبش فدائه في قضية “العلاج السياحي” في المتمارضين، وقرر إحالة ملفهم للنيابة! هكذا، وببساطة تم حل معادلة أزمة العلاج السياحي باللمسة السحرية، وتعليقها على رقبة السياح المتمارضين!
لا كلمة ولا حرف واحد من أصحاب العضلات في مجلس البشوت السوداء يذكر وزير الصحة د. علي العبيدي الذي أرسل آلاف “السياح” للعلاج، إرضاء لنواب مجلس أمة ولمتنفذين يجلسون بقربه، تحديداً، في مجلس الوزراء، ووُجهت عدة أسئلة برلمانية للوزير في الموضوع وانتهت، ونُسيت بطبيعة الحال، من دون تقرير مسؤولية أحد، كي ننتهي بتحميل القضية كلها على “فراش البلدية” بإحالة الملف للنيابة. هنا، انتبهوا لطريقة صياغة الخبر الذي جاء بعبارة “متورطو العلاج السياحي”، حين تظهر الإدانة المسبقة لمن ذهب للعلاج السياحي، وفي الوقت ذاته تمت تبرئة المساهمين الحقيقيين ممن قام بالتوسط وفعّل سلطات المحسوبية الفاسدة، سواء في مجلس الأمة أو في مجلس الوزراء أو في أي إدارة من إدارات الفشل الرسمية بالدولة!
بهذا النهج المخجل، أقصد الهروب الأبدي من تحمل المسؤولية وتلزيمها لفراش البلدية -بتعبير مجازي- أو تناسيها وحفظ القضية ضد مجهول، تتم إدارة الدولة، ليس في وزارة الصحة فقط -كي نكون منصفين- ولكن في معظم وزارات الدولة ومؤسساتها.
اتركوا قليلاً “المرضى السياح”، وابحثوا عن المسؤول عن الفشل التعليمي المخزي لأجيال متعاقبة، في دولة هي الأكثر إنفاقاً على الطالب (قبس الأمس)! أيضاً ماذا عن وزارة الأشغال ونضوب ميزانية تصليح الطرق، أو البلدية “أم البعارين”؟! ولكم أن تقيسوا على بقية مؤسسات “هذي الكويت صل على النبي”، فهل تمت يوماً محاسبة وإدانة من سرق مليارات من الأموال العامة، أو من تسبب بسوء إدارته للمرفق العام أيضاً في خسارة الدولة لمليارات غيرها؟ من أين نبدأ وأين ننتهي مع هذا الحال المائل؟ وكلما سألت وزيراً أو مسؤولاً سابقاً تأتي الإجابة سريعة: “الشق عود”… ندرك أن الشق عود أيام برميل المئة دولار، لكن كيف يصبح هذا الشق مع برميل الثلاثين أو الأربعين دولاراً؟