بالمناسبة، وتوضيحاً للتوضيح، فبادئ ذي بدء، حين نهاجم خطر «الطائفية»، فإننا بذلك لا نقصد ديناً عن دين أو طائفة دون طائفة أو بلداً دون آخر، فالطائفية مدمرة لكل الأوطان ولكل المكونات ولكل الشعوب، ولا حاجة لأن «يقفز» فلان وعلان ليكرر العبارة السمجة ذاتها: «ولماذا لم تذكر الطائفة الفلانية… ولماذا لم تذكر الدولة الفلانية… ولماذا ولماذا؟».
حسناً، لو طرحنا سؤالاً نوجهه إلى جميع العرب والمسلمين «تحديداً» مفاده: «هل تعتقد أن الدول العربية والإسلامية تعاني من ظاهرة «الطائفية والتشدد والتكفير والتطرف؟»، وبالطبع، ليس هنا السؤال في سياق بحث علمي، ولكنه ارتجالي بحت، ولنسأله لأنفسنا أولاً… بالتأكيد، لن يجرؤ أحد منا على القول إن البلدان العربية والإسلامية «سمن على عسل»، والمواطنة فيها متساوية والحقوق والواجبات على ثنائية ميزان العدالة… و… و… بل سنصاب بالكثير من الوجع مما نعيشه من تفاقم دموي فتاك للطائفية وممارساتها، إلا أن السؤال المهم الذي كررته كثيراً: «لماذا تتحدث الكثير من الدول العربية والإسلامية عن حقوق كل المواطنين، أقليات أم أكثريات، مسلمون أم غير مسلمين، موالون أم معارضون… في العيش الكريم وممارسة حرياتهم ومعتقداتهم وأفكارهم، ثم بعد ذلك لا يعدو ذلك الكلام الحبر الذي كتب به؟ ولماذا في كل البلاد العربية والإسلامية هناك جوقة من الفاسدين الفاشلين في الشئون الإسلامية والإعلام والتربية والتعليم وفي أكثر من قطاع حيوي، يتضامنون جميعاً ويحصلون على النفوذ والسطوة ليفعلون ما يشاءون من إضرار بالسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية ولا يمكن الوصول إليهم بالقانون لأن «الجدار القوي من الحماية» يمنع ذلك؟
هناك دول عربية وإسلامية تتسلى بالطائفية وتتسلى بسياسة «فرق تسد»، ولننظر إلى البقعة العربية والإسلامية على الخارطة، ولنقدم بلداً عربياً أو إسلامياً تميز بحملة قوية إعلامياً واجتماعياً وفكرياً ومهنياً ليزرع في نفوس أبنائه الانطلاقة الأهم والأقوى لبناء المجتمع، وهي «المواطنة» الكاملة من دون تمييز وتفرقة ومذهبية واستهداف وقمع وظلم وجور؟ ألا يمكن قراءة ما يحدث في اليمن، ليبيا، سورية، العراق، لبنان، مصر (سيناء)، ومتفرقات هنا وهناك، ألا يمكن أن نعتبر ذلك تحت عنوان «المؤامرة الغربية على الأمة»؟ وهل سنبقى نكرر هذا العبارة ونحن ندرك تماماً أن النار الطائفية وإشعالها وإذكاءها والنفخ فيها لم تعد مهمة الغرب… بل مهمة العرب والمسلمين ضد بعضهم البعض! وما يثير الضحك هو أن أجهزة الإعلام العربي والإسلامي تضحك على نفسها وهي تعيد وتكرر في البرامج التي تتحدث عن «حلاوة التسامح والأسرة الواحدة وحق الناس في اعتناق الأديان والمذاهب»، وفي الوقت ذاته، الإعلام ذاته هو الذي يحرض ويثير التناحر والاضطرابات…
هل يمكن أن نعيد قراءة توصيات مؤتمر «هرتزيليا»؟ يبدو ذلك، لكنه لن يكون نافعاً لطالما المجتمعات العربية والإسلامية أصبح «أفيونها» الطائفية، وزراعة ونشر الكراهية هي أسلوب للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى… بالمناسبة، عندما كتبت وكتبت وكتبت عن سلطنة عمان واعتبارها الأنموذج الأسمى و «الأجمل» في العالم العربي والإسلامي لمعنى «الأسرة الواحدة»، قال بعض الأصدقاء إنني أبالغ، لكنهم حين زار بعضهم عمان صيف هذا العام، عاد ليقول ما قلته وأكثر… فسلام إلى سلطنة عمان.
أما عن مؤتمر «هرتزيليا»، فليت القارئ الكريم يبحث عن هذه المفردة في محرك البحث «غوغل» لتنقل له ما يغنيه… فنحن أمام لعبة خطيرة… هي لعبة أصبحت الكثير من الدول تتسلى بها، وإن قال قائل إن كل ذلك يأتي من الغرب، فليس صعباً مشاهدة حجم الإعلام الفضائي العربي الذي تم تخصيص جزء منه «للنيل من الشيعة)»وجزء منه «للنيل من السنة» وجزء آخر للنيل من كل صوت يؤمن بأن المواطنة من حق الجميع، وحرية ممارسة المعتقدات من حق الجميع، على أن تعدو وتخرج من الأوراق في الأدراج ومن لقلقات الألسن وتدخل مدخل الممارسة الحقيقية… من حقي كمواطن أن أدين بالدين الذي يناسبني… وأعتنق المذهب الذي أريده… وأتحدث وفق حقوقي في التعبير… من دون أن يتقافز إعلاميو زبالة الطائفية وكتاب «مرواس الطرب المذهبي» وفضائيات «الراقصة بشرف وعفة» لتنال من حقي في الحياة.