غاضباً هاتفني أحد الأصدقاء: ما يحدث من ردود أفعال الشعب على قرار رفع سعر الوقود أمر مثير للغثيان والقرف، فالتعامل مع الأزمات الكبرى يجب ألا يتم تسطيحه بالسخرية والنكات؛ فتتحول هذه النكات إلى مجرد تنفيس غبي للصدور المحتقنة، يخدم السلطة ويصب في مصلحتها، ويتحول حديثنا من “كيف حدث هذا بعد سنوات الفوائض المالية؟ ولماذا حدث؟” إلى نكتة سمجة تقول: “تقدم شاب لخطبة فتاة فسأله والدها: ما نوع البنزين الذي تملأ به خزان سيارتك؟ فأجابه الشاب: بنزين ممتاز. فطرده والد الفتاة، واشترط ألا يتقدم لخطبة ابنته إلا ذوو البنزين الألترا، هاهاها”! وهي نكتة سمجة على كل حال (الجملة الأخيرة من عندي أنا).
وبذلك يتحول الشعب من دون قصد إلى دريد لحام، أو غوار الطوشة، كما يقول صاحبي، الممثل الذي ضحّك الناس وضحِك عليهم، واكتشفوا، في أوقات متأخرة، دوره الاستخباراتي الحقيقي في خدمة الحكومة السورية. فقد كان غوار ينفّس عن صدور الشعب، ويخفف درجة الغليان، عبر السخرية من المصائب التي كان الشعب يتعرض لها.
ويضرب صديقي مثلاً: الأطباء يتعاملون بطريقتين مختلفتين مع الأمراض، فتجدهم يتعاملون بشراسة لا حدود لها مع المرض الحديث، في أول ظهور له في جسد المريض، في محاولة للتخلص منه منذ البداية، قبل أن يستفحل في الجسد ويتمكن منه. في حين يتعاملون بالمهدئات والمسكنات، والقبول بالأمر الواقع إن هو استفحل في الجسد وتمكن منه وتعذّر استئصاله.
وعلى هذا الأساس، يقول صديقي، يجب أن نتعامل مع المصائب الحديثة التي تحل على رؤوسنا بسبب هذه السلطة والبرلمان التابع لها، فلا نستخدم المسكنات والمهدئات، التي هي النكات والسخرية، في بداية الأزمة، بل تجب مقاومتها بشراسة وتكشيرة وصرخة غضب وبكل ما في أيدينا من وسائل مشروعة.
وأقول أنا: رغم إيماني بقوة تأثير السخرية، ودورها في الشأن العام، فإن حجة صديقي لها وزنها وثقلها… والقرار للناس.