لا يختلف اثنان على أن توجهات الرئيس المقبل للولايات المتحدة، ستؤثر كثيراً على مستقبل المنطقة، وعلى العلاقة بين الفرقاء، سواء في حسم بعض الصراعات في الشرق الأوسط، أو ازدياد اشتعالها. ولكن قبل أي قراءة في معطيات الانتخابات الأميركية، لا بد ألا ننخدع، كما ينخدع الناخب الأميركي، بأطروحات بعض المرشحين الخيالية، كبناء سور عظيم على الحدود الأميركية – المكسيكية لمنع المهاجرين، على سبيل المثال. وهنا نقصد بالطبع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فالانتخابات الأميركية، كما هي أي انتخابات، مملوءة بالوعود والعاطفة، حتى أن الجانب العاطفي بات له حظ الأسد في أطروحات المرشحين، ما يفقد برنامجيهما الانتخابيين أحيانا كثيراً من المصداقية.
في مقابلة على قناة «بلومبيرغ» الأميركية، سئل الخبير التسويقي كيفن روبرتس Kevin Roberts عن نصيحته لكلا المرشحين في الانتخابات الحالية، فكان رده مختصراً، وهو: يجب الابتعاد عن الحقائق والنتائج، والتركيز على «عاطفة» الناخب في أي موضوع كان.
من جهته يقول البروفسور إيال وينتر Eyal Winter الأستاذ في جامعة ليستر الإنكليزية، في مقال له في صحيفة «الغارديان»، إن سلوك الناخب في التصويت يميل إلى المرشح الذي يعكس آراءه وانطباعاته، أكثر منه إلى المرشح الأكثر كفاءة، مهما كانت النتائج! أي أن هذه الانتخابات ستكون معتمدة في الغالب على «العاطفة» وليس على «المنطق»… هل هذه هي الديموقراطية التي نحسدهم عليها؟ بالطبع لا، إذا ما فائدة الديموقراطية إذا لم تبرز لي «الأصلح» لقيادة البلد؟ العلة في النتيجة لا في الوسيلة فقط.
وإذا عرجنا على المعسكرين الانتخابيين، الجمهوري والديموقراطي، فسنجد أن الجانب العاطفي أخذ الجزء الأكبر من فعاليات المؤتمر السنوي لكل منهما، فالجمهوريون حرصوا على إبراز «الشكل العائلي» لمرشحهم المثير للجدل، وأعطوا حيزاً كبيراً للروح العائلية التي تدعم ترامب، بالاضافة إلى الرسائل العاطفية المتنوعة الأخرى، كادعاء ترامب أنه سيهزم الإرهاب وحده! وأنه سيحمي الأميركيين من المهاجرين، وسيمنع المسلمين منهم – بحجة التطرف – من الدخول لأميركا، وبناء سور لمنع المهاجرين المكسيكيين – بحجة ترويجهم للمخدرات – من التسلل إلى الأراضي الأميركية، وغيرها من الدعوات العاطفية التي تحلق في فضاء الحلم الأميركي الراديكالي، والتي ليس لها أي محل لتلامس أرض الواقع.
وعلى الجانب الآخر، فإن المعسكر الديموقراطي لم يكن بريئا من «عوطفة» الانتخابات، فقد استضاف في مؤتمره عوائل ضحايا الملهى الليلي في أورلاندو. واستضاف أيضا زملاء أفراد الشرطة الذين قتلوا في دالاس، واستضاف إحدى ضحايا 11 سبتمبر، وكلمة خضر خان Khizr Khan المسلم الذي هز أوساط الأميركيين بكلمته مستشهدا بابنه الذي قضى في الجيش الأميركي، وغيرها من الرسائل العاطفية التي تخاطب القلب قبل العقل، ناهيك عن الاستعانة بممثلين ومغنيين لهم شعبية واسعة كالممثلة ميريل ستريب Meryl Streep وغيرها الكثير.
إذا هي معركة «عاطفية» بامتياز. ونحن نظن أننا نراقب انتخابات مثالية تبرز الأصلح وتزكي الأكفأ لقيادة الولايات المتحدة، لكن ربما غاب عنا الكثير من عناصر اللعبة الانتخابية، وهذا ما قاله صراحة الرئيس باراك أوباما في خطابه الأخير في المؤتمر الديموقراطي «إن شعوب العالم لا تدري حقيقة كيف تجري الانتخابات الأميركية». وهو محق، ولكن على عكس المفهوم المثالي للديموقراطية، فإن هناك «ديموقراطية العاطفة» التي تختلف إجمالا عن «ديموقراطية الكفاءة».
إن ما يقود الشعب الأميركي اليوم لتفضيل مرشح على آخر، هو «الميل العاطفي»، والشعور بالقرب والقواسم الشخصية التي يرى أنها تجمع بينه وبين أحد المرشحين، وليس الحقائق أو البرنامج الانتخابي… بمعنى آخر، إن ما يجذبه هو «المايونيز» وليس «الهامبرغر»!