ما أعظم الحكمة وما أنفعها عندما تصدر من رجل عظيم صاحب تجربة ناجحة وفريدة في القيادة والنزاهة والانجاز، الحكمة هنا ليست مجرد كلام تنظيري بل تكون فعلية ومن واقع دراية وخبرة عملية، ولعلنا هنا نتوقف عند النموذج العالمي المعروف بالنجاح وهو رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد الذي تقلد منصبه في الفترة مابين 1981 الى 2003م فنقل بلاده نقلة شهد لها العالم وصارت تجربته القيادية الناجحة تدرس في الجامعات.
وهنا اتوقف مع مثال بسيط من حكمة حاول مهاتير محمد ايصالها بأسلوب ذكي ومؤثر يدلنا على مستوى هذه العقل الماليزي الرائع ويجسد ذلك هذه القصة الجميلة المعبرة والناطقة بحكمة ذلك الرجل.
ففي عام 1974 كان «مهاتير محمد» ضيف شرف في حفل الأنشطة الختامية لاحدى المدارس في ماليزيا، قبل ان يصبح وزيراً للتعليم ثم رئيساً للوزراء، حيث قام بطرح فكرة عمل مسابقة للمدرسين وليست للطلاب وهي توزيع بالونات على كل مدرس، ثم طلب ان يأخذ كل مدرس بالونة وينفخها ومن ثم يربطها في رجله، فعلا قام كل مدرس بنفخ وربط البالونة في رجله، جمع مهاتير جميع المدرسين في ساحة مستديرة ومحدودة، وقال: لدي مجموعة من الجوائز وسأبدأ من الآن بحساب دقيقة واحدة فقط، وبعد دقيقة سيأخذ كل مدرس مازال محتفظا ببالونته جائزة. بدأ الوقت، وهجم الجميع على بعضهم البعض كل منهم يريد تفجير بالونة الآخر حتى انتهى الوقت، فقط شخص واحد مازال محتفظاً ببالونته.
الشاهد من هذه القصة ان مهاتير محمد وقف بينهم مستغرباً وقال: لم اطلب من احد تفجير بالونة الآخر؟ولو ان كل شخص وقف بدون اتخاذ قرار سلبي ضد الآخر لنال الجميع الجوائز، ولكن التفكير السلبي يطغى على الجميع، كل منا يفكر بالنجاح على حساب الآخرين مع ان النجاح متاح للجميع، لكن للأسف البعض يتجه نحو تدمير الآخر وهدمه لكي يحقق النجاح.
هذه القصة تعكس لنا ثقافة مشوهة مريضة راسخة في عقول الكثيرين ممن لا يعرفون الصعود الا على اكتاف الآخرين، وكأن القمة لا تتسع لغيرهم، هذه الثقافة التي اصبحت للأسف سائدة في بلادنا تكاد تكون هي احد اهم اسباب الفساد الاداري والتخلف التنموي لأن الموظفين والمسؤولين تحول همهم من الانجاز وتقديم الخدمة المميزة وتحقيق التنمية العامة الى تحقيق اهداف شخصية وتصبح الوظيفة وسيلة للوصول لغايات واطماع النفس على حساب الآخرين ولو بممارسة التعسف والقهر والتطفيش ان لم يكن الافتراء والتدليس.
بالطبع هذه السلوكيات منافية تماماً لتعاليم الدين والمنهج الأخلاقي الاسلامي في التآخي والتراحم فيما بيننا، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه».
الفيلسوف الأميركي زيج زيجلر هو صاحب المقولة الشهيرة اراك على القمة، يقول: حين تساعد الآخرين لكي يعثروا على ما يريدونه حقا، ستبدأ انت في الحصول على ما تريده في هذه الدنيا. هذه المساعدة ستشعرك بالقوة، والانجاز، والسعادة، ومتعة تحقيق الأهداف.