عن توقعاتي في ما يخص ردود أفعال الناس بعد إقدام الحكومة على رفع سعر البنزين كتبت حرفيا في 11 أغسطس الماضي: «برأيي المتواضع لم يحن الوقت بعد لأن حدة الانقسام الطائفي والاجتماعي في أوجها ويا «بخت الحكومة فيكم».
قبل أن أنسى أردت القول، صباح الخير على الجميع، وصباح الخير حصريا على أول مواطن سيذهب إلى محطة البنزين مفتتحا عهد التفرقة الطبقية القسرية بين المواطنين، لقد فاتني أن أضيف للفقرة المذكورة من مقال سابق عبارة و»فوبيا الإسطبل» التي يبدو أن استعمالها كأداة سيزداد لشيطنة أي تحرك جماهيري سلمي قادم.
إن «الإسطبل» وأدواته حقيقة لا يمكن إنكارها، وحده السخط من رفع أسعار البنزين أيضا حقيقة لا يمكن إنكارها، وصعوبة التفريق أو منع تداخل خطوط المخلصين مع المتمصلحين أمر واقع لو أطعناه لما قامت قائمة لأي رأي مخالف لرأي الحكومة إلا في المختبرات العلمية، حيث يمكن الفصل بين الجزيئات أو دمجها بمقادير محسوبة.
تلك هي الحقائق «خذوها على علاتها»، الناس غاضبة وأخبار الهدر ومصاريف «القصيصات» تؤجج اشتعالها، ووزراء الحكومة الواحدة يعملون بشكل منفصل، فوزير التجارة بطلته الحانية يطمئن الرأي العام بعدم تأثر السلع الأساسية بزيادة البنزين، وفي اليوم نفسه تمسح وزارة «الأمر الواقع» كلامه بـ»قرطوع» ديزل وترفع أجرة التاكسي تحت الطلب والأجرة الجوالة!!
سيل العلل لا يتوقف، الحراك الشعبي الذي يتم التخطيط له لن يتعلم كثيرا من أخطاء الماضي، وهذا الجزم لم يأت من فراغ، ولكن ما الذي تغير في خطاب من كانوا يتصدرون المشهد من قبل وسلوكهم؟ لا شيء، ستخلط القضايا وسيعم التنافس وستحشر المخلوقات الانتخابية أنفها في سوق المزايدات حتى ترسخ في أذهان الغاضبين فكرة كاذبة تشترط نجاحها في الانتخابات للتخلص من الزيادة المصطنعة في أسعار البنزين.
كل ما سبق وأكثر من «علات» لن يثنيني عن المطالبة بوجود تحرك جماهيري سلمي منظم خطابه الرئيس والوحيد هو «البنزين»، ولن يمنعني عن القول إن «ساحة الإرادة» هي المكان المثالي لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانضباطية لحشد كبير في مكان واحد حول قضية رابحة، أما المسيرات «مرخصة أو غير مرخصة» فهي ليست سوى دعوة مفتوحة للآلة الإعلامية المتخصصة في تضخيم الهفوات وخلط القضايا المستحقة بقضايا أمن الدولة.
إنني ما زلت على رأيي بأن الوقت لم يحن بعد لأي تحرك سلمي ضد رفع أسعار البنزين، لتصدر الانقسام الطائفي والاجتماعي والشكوك المتبادلة إياها (هوية الداعي، من سيتصدر المشهد؟ المايكروفون بيد من؟ …إلخ)، وربما أكون مخطئا وتفعل نار الغلاء فعلها في إنضاج الحراك الشعبي بعكس توقعاتي، الشيء الوحيد الواضح أمامي هو أن ما سيأتي بعد فاتورة البنزين المتضخمة من ناحية، وأخبار الهدر الحكومي المتلاحق من ناحية أخرى لن يكونا في مصلحة الأطراف المستفيدة من بقاء الوضع الحالي.