ما إن أعلنت الكويت استقلالها في 19 يونيو 1961 حتى توالت البرقيات من العديد من زعماء الدول في المنطقة وخارجها. وقد تطرقنا لبرقية رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم التي وصلت في 21 يونيو، والتي كان فيها من التلميحات المبطنة الكثير، كما عرضنا كيف رد عليها الشيخ عبدالله السالم.
إلا أن تأخر وصول برقية بعينها أثار شيئاً من القلق. وصلت البرقية المنتظرة أخيراً بعد خمسة أيام، وكانت من جمال عبدالناصر، وتضمنت تأكيد الموقف الداعم لاستقلال الكويت مثل “في هذا اليوم الأغر الذي انبثق فيه فجر جديد في تاريخ الوطن العربي باستقلال الكويت وسيادتها، لا يسعني إلا أن أبادر بالإعراب عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة، وعظيم اغتباطنا لهذا الحدث التاريخي المجيد…”.
أهمية برقية الرئيس جمال عبدالناصر كانت تتجاوز معاني الكلمات، فتذهب بعيداً إلى الأهمية الجيوستراتيجية للموقف المصري في ميزان القوى الإقليمي ليثبت أولى الخطوات الفعلية على طريق تثبيت الاستقلال، وذلك بقبول عضوية الكويت في جامعة الدول العربية، كدولة مستقلة ذات سيادة، بغض النظر عن رفض العراق، وتجميد عضويته، خاصة أن قبول أي عضو جديد في الجامعة العربية يتطلب الإجماع. ومن المعروف أن علاقة مصر بالعراق كانت متوترة وقلقة.
وقد كان لافتاً أن قاسم عقد مؤتمره الصحافي الشهير في 25 يونيو بعد برقية عبدالناصر، والذي أعلن فيه ضم الكويت للعراق وبطلان استقلالها، عائداً بها إلى الحقبة العثمانية، معلناً تعيين حاكمها قائمقاماً تابعاً لولاية البصرة، علماً بأن ولاية البصرة أساساً لم تعد موجودة، وكذلك الدولة العثمانية برمتها، لا بأس.
العلاقة الكويتية المصرية علاقة استراتيجية، محورية، ومن حسن الطالع أنها لا تتأثر بالمتغيرات، حتى لو بدا من حيث الشكل الظاهري غير ذلك. فموقف مصر مثلاً، كان ملتبساً، عند التصويت على عضوية الكويت في الأمم المتحدة، حيث امتنعت عن التصويت، ويعود ذلك إلى الإنزال البريطاني في الكويت، خاصة أن بريطانيا كانت قد قادت العدوان الثلاثي على مصر في 1956. إلا أن الأمور كانت تسير لمصلحة الكويت على أية حال، وكانت السعودية أول الداعمين ضد مزاعم قاسم وأرسلت قرابة 1800 جندي، وكانت هي ومصر ودول عربية أخرى تعمل على تجهيز حل عربي للأزمة، بإخراج القوات البريطانية وإحلال قوات عربية محلها، وهكذا كان.