بدأ هجوم قاسم القاسي على الكويت عموماً وعبدالله السالم خصوصاً يتصاعد بحدة، حكاية شبيهة بما مر علينا في ١٩٩٠. والتي بدأت بـ”قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، ثم اجتياح فاحتلال دام سبعة أشهر، ثم ادعاء بتبعيتنا لمملكة حمورابي، هكذا. التاريخ لا يعيد نفسه، ربما تتشابه الأحداث، ولكن تتباين التفاصيل. يروى عن ماركس قوله “التاريخ يعيد نفسه مرتين، الأولى كمأساة والثانية كمهزلة”.
ما الفرق بين تهديدات قاسم بضم الكويت في ١٩٦١ وتهديدات صدام واحتلاله للكويت في ١٩٩٠؟ لماذا مثلاً استدعى عبدالله السالم القوات البريطانية، التي تم استبدالها بقوات عربية لاحقاً، ولماذا لم يتم استيعاب تحركات صدام، ودعوة قوات أجنبية لحماية الكويت سنة ١٩٩٠؟ الفارق هو في الزمن، وفي تقدير الموقف، الذي يلعب دوراً محورياً في السياسة لتحديد ما يلي من نتائج.
فماذا كان بمقدور حاكم دولة صغيرة كالكويت، استقلت للتو، مهددة عسكرياً من دولة جارة أكبر منه بكثير، أن يفعل؟ لسنا هنا أمام المشهد الأخلاقي، فالمسألة في السياسة تتعلق بالبدائل المتاحة، والخيارات المتوفرة، فإن انعدمت البدائل وتضاءلت الخيارات تشتعل الحرب.
المتابعون لنقاشات ومفاوضات عبدالله السالم مع الإنجليز، وأنا أحدهم، يعرفون قدراته التفاوضية، ويعرفون جيداً نديته في التعامل معهم، وبالتالي لم تكن دعوته للقوات البريطانية لإنزال عسكري حماية للكويت أمراً سهلاً، بل كاد يكون من رابع المستحيلات، ولذا يروي الشيخ سعد العبدالله رحمه الله عن أبيه أنه دخل عليه ووجده يبكي لأنه اضطر لدعوة العسكر الإنجليز، وهو أمر لم يفعله أحد قبله.
هناك آراء تقول إن قاسم كان “يتغشمر” أو “يتشاقى” ولم يكن جاداً على الإطلاق في ضمه للكويت. وفي كل الأحوال، كانت عينا عبدالله السالم شاخصتين على عمقه العربي، كان يراهن على نجدة العرب له، فكان رهانه على الحصان الفائز. بل، نجده قد تمكن من خلال ورقة الإنجليز أن يقول للعرب الذين احتجوا على دعوته لبريطانيا، “إن كنتم غير راضين على وجودهم فما هي البدائل لحماية بلادي؟”، وهكذا تشكلت قوات عربية وصلت الكويت، لتحل محل القوات البريطانية بسرعة قياسية. أحداث فترة الاستقلال، صاغت الكثير من ملامح النظام السياسي الكويتي الذي جاء بعده، والذي كان مؤملاً له أن يكون ملكياً دستورياً، فكان أقل من ذلك بكثير. لن ندخل في موضوع لماذا حاد النظام عما كان يفترض له أن يكون، فذلك موضوع لمقالات أخرى، ولكن من المفيد التنويه بذلك.