بينما ينقلب العالم رأسا على عقب وتخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء شعبي ديمقراطي تم احترامه من قبل الرسميين البريطانيين، يعيش الإنسان العربي في خوف من حاضره ومستقبله في ظل التآمر على صوته وحقه الإنساني في الحرية والاستقرار، العربي خائف على عمله لأن الاقتصاد لا ينمو والاستثمار لن يأتي لمنطقة بهذا الاضطراب. كما أنه قلق بسبب سقوط أسعار النفط لانعكاسها على دول النفط والدول الغير نفطية، وخائف من الحروب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وخائف على اللاجئين ومن اللاجئين.
ومن الجمود السياسي في البلدان العربية وسوء الإدارة والفساد، وهو قلق على الحالة المصرية التي تقع على أراضيها المفاجأة تلو الأخرى. الخوف العربي يمتد لإيران وهجومها الإقليمي، ولداعش وصعوبة احتوائها.
الخوف العربي يمتد لأمور أصبحت من الثوابت في معظم بلدان العالم، فهو يعاقب إن عبر عن نفسه بشجاعة ووضوح، وذلك بفضل قدرة الدولة على ملاحقته لأتفه الأسباب مستخدمة أدواتها القانونية والقضائية والدستورية والادارية، لهذا فهو يرى انه يعيش في دولة تخوض معارك خاسرة على المدى المتوسط ضد الشباب والنقاد بينما تهمل القضايا الأساسية الخاصة بالتعليم والإبداع والتقدم والمحاسبة والتطوير. هكذا يكتشف العربي بأن دولته تفتقد لمنطق الإقناع بسبب عصبيتها، وسطحية تفكيرها، وأنها في الطريق لتكون دولة فاشلة بسبب نشرها للخوف والكراهية بحيث لا يتحدث يمينها مع يسارها وإسلاميوها مع ليبرالييها وكبارها مع صغارها، الخوف يسود عندما يكتشف المواطن إنه ينتمي لدولة لا يرضى عنها سوى قلة من الناس وأنها تفرض نفسها بالقوة والقمع، مما يؤهلها للدخول بأزمة.
غياب فصل السلطات في البلدان العربية أساسي في نشر مخاوف الإنسان العربي أكان مستثمرا أو صاحب عمل أو موظفا أو طالبا للعلم، فكل القوانين بإمكانها ان تقر أو تلغي وتعدل في لحظة متسرعة بلا دراسة وتوازن وذلك لأن مصدر القانون سلطة مركزية غير مساءلة وغير مراقبة وقلما تمارس الشفافية. من هنا يخشى المواطن العربي من الارتجال والمزاجية الذي تتحكم بسياسييه وقادته، ويخشى من التغير المفاجئ في ظل منعه من النقد والتعبير. وبما أن التاريخ يقول لنا إنه لا تقدم بلا نقدية واضحة وصريحة، فمن أين سيأتي التقدم في ظل القمع الموجه للحريات والتعبير الحر في البقاع العربية؟ في وضع كهذا يقف المواطن العربي في العراء بلا أسقف وجدران.
ولا تنتهي مخاوف المواطن عند هذا الحد، فهو يخشى من الاعلانات والتصريحات القوية المفرطة بالتفاؤل، لهذا يخشى من إمكانية فشل خطة 2030 وأطروحة خليج موحد وخطط قادة دول عربية مستقرة نسبيا حول المستقبل، فقد رأي المواطن كيف تنتهي الحروب كما والخطط بسبب غياب صوت الشعب ومكانته في جميع الحسابات السياسية العربية، وبسبب إهمال تنمية الإنسان والتعليم والثقافة وفوق كل هذا إهمال العدل بكل أبعاده. الإنسان العربي فقد الثقة في النظام العربي وبالادارة العربية وبإعلاناتها وتصريحاتها وحروبها وقدراتها.
الوضع العربي في ظل حالج الخوف لا يخلو من مقاومة وتمرد من قبل فئات تعيش في قاع المجتمع. لكن التمرد على الواقع لا يشترط ان يقدم وضعا أفضل او أسوأ مما هو قائم، بل يصبح كحال كل تمرد على واقع سلبي لا يعرف كيف ينشأ صيغة جديدة خالية من التعسف. الأهم ان نعي جيدا بأن العنف والفوضى والتمرد والغضب في الإقليم الاوسع مرتبط بعلاقات غير صحية بين النظام والشعب وبين القديم والجديد وبين القادة والمجتمع وبين الحقوق والواجبات وبين الطوائف ومكونات المجتمع. سقوطنا انعكاس للأزمة الاوسع التي تنخر النظام السياسي العربي. صراع العرب مع انفسهم بالكاد بدأ، لكنه سيكون صراعا طويلا ومريرا كونه يقع في إقليم قلما يراعي المصلحة العامة وقلما يبحث الحلول الوسط والحريات وحقوق الاخرين.