يهتم العالم أجمع بالانتخابات الأمريكية، كما تهتم المنطقة أكثر بمن يكون الرئيس الأمريكي المقبل، وذلك لمعرفة ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه المنطقة والعالم. بالنسبة للأمريكيين، القرار بيد الناخبين، ولا سيما أن التجدد في وجوه السياسة الأمريكية ليس هو التجدد ذاته في وجوه السياسيين في المنطقة. وبالتالي لا يمكن لأحد التكهن تماما بمستقبل سياسات أمريكا الخارجية. لكن النقطة الحيوية أنه لا توجد سياسة خارجية صلبة للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط في الـ 15 عاما الماضية، مع تراجع الدور التقليدي لأمريكا في المنطقة. وهذا يدعو إلى أهمية وجود أمريكي يتعامل مع المنطقة بمستجداتها الراهنة لا بمعطيات عقود مضت، وذلك لأمن أمريكا نفسها في المقام الأول. وهذا ما فطن إليه الأمريكيون أخيرا مع انتهاء مرحلة أوباما. هو الذي كان مهتما بتركة ترضي “الأمريكيين” بعد عهد بوش، من عدم الزج بهم في حروب، وتقديم حلول دبلوماسية في كل الملفات الخارجية، والاهتمام بالداخل الأمريكي.
الأمريكيون عامة يركزون في اختيارهم الرئاسي عادة على الميول العاطفية والانتماء الحزبي، وعلى تعامل المرشحين مع القضايا الداخلية التي تمس الشعب كالبطالة والرعاية الصحية وتحسين الوضع الاقتصادي، وذلك هو ما يوجه الرأي العام. وهذا سر الصعود الأخير لترامب بحسب استطلاعات ودراسات أمريكية تقول إن انجذاب الأمريكيين له هو بسبب “الاقتصاد”. الاقتصاد هو كلمة السر ومن ثم تصعيد القومية المتعلقة بـ “الإرهاب”، الوحش الذي بدأ يظهر من جديد. إذ يبقى موضوع الإرهاب الاستثناء محل الاهتمام الحرج في القائمة للسياسة الخارجية بالنسبة للشعب الأمريكي فهو يتعلق بـ “الأمن القومي” الأمريكي. لذا فهو النقطة المثيرة ضد أي دولة أخرى يتم وصمها أو تشويهها به إعلاميا كما يحدث ضد السعودية. والأمر ذاته بالنسبة لإيران استنادا إلى تقارير واقعية. فهو ككرة المضرب بالنسبة للحملات الدعائية.
ولا شك أن هناك ملفات دقيقة تنتظر الرئيس المقبل أمام منطقتنا، أيا يكن هيلاري كلينتون الوجه السياسي المألوف كأول سيدة في مقعد الرئاسة، أو دونالد ترامب الذي يهتم العالم بتصريحاته الفانتازية والأخرى التي توصف بالعنصرية تجاه المسلمين وغيرهم، لكن لا يفكر أحد في برنامجه السياسي وسياسته الخارجية بالقدر ذاته. وتبقى المناظرات والحوارات الإعلامية وسيلة كشف للآراء لا سيما فيما يتعلق بمنطقتنا المشتعلة. هناك خطوط متعارضة بين آراء كلينتون وترامب في ذلك، وإن كانت كلينتون تبدو الرصينة مقابل هياج ترامب. فبينما يغرق دونالد ترامب في كل مناسبة بأن غزو العراق كان خطأ هائلا، فإنه يستخدم هذا المدخل دائما للتأكيد على حاجة الولايات المتحدة لصيغة تنسيق مع روسيا للسيطرة على الأوضاع في سورية، عوضا عن تأكيده المتواصل على أن الولايات المتحدة أسهمت في تفكيك الشرق الأوسط، وعليها أن تنفق المزيد من الوقت والجهد والمال لانتقاء حلفائها وتمييزهم، كما تحديد أعدائها لضربهم بقسوة بالغة.
ولم تختلف آراء الجمهوريين الذين يمثلهم ترامب كثيرا، ففيما يخص الاتفاق النووي الإيراني يرى أن الاتفاقية “بالغة السوء”، وسيعيد التفاوض عليها كليا منذ يومه الأول كرئيس إن اختاره الأمريكيون، كما سيقوم بتشديد العقوبات. الجمهوريون يمتلكون أجندة واضحة من الرفض التام لأي تعاون مع إيران، ويرون أن معاقبتها من الاقتصاد إلى دكها عسكريا، إن لزم الأمر، هو الحل الأفضل للمشكلة من جذورها، لكن بالنسبة لمرشحي الحزب الديمقراطي، فهم مؤيدون بشدة لاتجاه الإدارة الأمريكية الداعم كليا للاتفاق، كما تأييد أوباما في سياسته الضمنية في الشرق الأوسط التي تتبنى مبدأ “القيادة من الخلف”، وإن قالت كلينتون مرشحة الديمقراطيين في مناظرة إن “إيران تزعزع استقرار الحكومات في المنطقة”. شكل السياسة الخارجية الأمريكية متروك للرئيس القادم، فهل يتغير رسم السياسات مع تغير المعطيات؟