عرفت الكويت الوقف الخيري طوال تاريخها. ويعتقد البعض أن الفكرة إسلامية، كما ورد في موقع الأوقاف، لكن الحقيقة أن الوقف صيغة إنسانية قديمة، فمشاريع خيرية عدة ومعاهد علمية وجامعات عالمية تعتمد منذ قرون على ما أوقف عليها من عقارات أو أسهم مدرة، وجائزة نوبل، بما يدفع سنويا للفائزين بها من ملايين الدولارات، خير مثال.
بالرغم من أن الكويت كانت سباقة في الوقف فإنه كان في الغالب دينيا، ولم يتجه للأنشطة التعليمية والعلاجية إلا نادرا، وربما تعتبر المدرسة المباركية، التي أوقف بعض المحسنين عقاراتهم للصرف عليها أحد الأمثلة. وكان الوقف حتى 1920 يشرف عليه صاحبه او ورثته، لكن توقف بعدها ذلك، وتولت الحكومة الإشراف على الوقف، لتتنقل المهمة في 1949 لمجلس الأوقاف، ثم لوزارة مستقلة للأوقاف عام 1962 والحاق الشؤون الإسلامية بها. ويذكر أن مستندات الوقف أدت دورا، أثناء الاحتلال الصدامي للكويت، في إثبات استقلالية الكويت، وعدم تبعيتها للعراق.
بسبب تزايد أهمية الوقف، قام وزير الأوقاف علي الزميع، في وزارة ما بعد التحرير عام 1993، بإنشاء أمانة عامة لتولي أمور الوقف، وقام بتعيين شخصية محسوبة على الإخوان أمينا عاما لها، وأعطى قانون إنشائها صلاحيات واسعة لأمينها. وبسبب ما لدى الأمانة من رصيد نقدي كبير واسهم وعقارات كثيرة، فقد بدا الصراع مبكرا بين السلف والإخوان على تولي إدارتها. لم يطل الأمر كثيرا بأول أمين لها، بعد أن دار لغط على بعض الأمور، فاستقال او اقيل، ما أجج الصراع بين الطامعين في تولي إدارتها. والغريب أن الحكومة، بدلا من أن تقوم بتعيين من هو غير حزبي لإدارة الوقف بعيدا عن الصراعات السياسية، فإنها ربما فضلت استخدام المنصب للاستفادة من الأحزاب الدينية او كسبها لجانبها، بتعيين المحسوبين عليها فيها، وكان لهذه السياسة آثارها السلبية على عمل الأمانة.
إن الصراع الحزبي الديني على تولي أمانة الوقف ربما يدل على فساد معظم تلك الأحزاب وفساد البعض في الأمانة كذلك! فلو كان التأثير عليها معدوما، ولو كانت خالية من الفساد لما كان هناك كل هذا التكالب والصراع عليها، والذي رأينا جزءا منه في صورة الخلاف الذي نشب داخل مجلس الوزراء على أسماء المرشحين لتولي أمانة الأوقاف، والذي تسرب للخارج ونشر في الصحف، خاصة في ما تعلق باقتراح وزير العدل ترشيح السيد محمد الجلاهمة أمينا للوقف. فالمنطق كان يتطلب الترحيب بهذا الترشيح، كون المرشح شخصية مستقلة، ولكن من الواضح أنه لا يوافق هوى المعترضين على تعيينه، ربما لأن مصالحهم ستتأثر تبعا لذلك. ولو كنت مكان رئيس الوزراء لما ترددت في اختياره، أو اختيار شخصية ليبرالية، او حتى شيعية لإدارة الوقف، لإبعادها تماما عن تدخلات الأحزاب الدينية ومصالحها الانتخابية، لكن هل هذا يتماشى مع هوى الحكومة؟!