إذا صح خبر أنه سيُعهَد إلى شركات أجنبية بإدارة بعض أمور المطار الأمنية فهذا ليس عيباً يصم الحكومة أو وزارة الداخلية، إنما العيب هو المكابرة والترويج لخطاب فارغ عن قدرة الحكومة على حل مشاكل عويصة وأكبر منها، وأقصد بالحكومة هنا السلطة الحاكمة بماضيها وحاضرها، ماضيها هو الزمن الذي خلقت الحكومة فيه الأزمات أو وجدت نفسها أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتلك مسائل طبيعية، فعجزت عن حلها لعجزها الفكري، ولأنها بطبيعة تكوينها ترفض المشاركة وتصر على سلطويتها معتقدة قدرتها على وضع الحلول، فتنتقل بذلك من فشل إلى فشل موازٍ، ومن مشروع فاشل أساسه الفساد إلى مشروع فاشل آخر، وحاضرها هو إصرارها على نهج الماضي وبقاء ما كان على ما كان، فلا تغيير ولا تبديل في أهل السياسة والإدارة، من كانوا يديرون بالأمس هم من يديرون اليوم، لا تغيير غير الأسماء، بينما يظل المحتوى والمعنى على حالهما.
كم من مرة نعيد ونكرر حتى السأم أمثالاً من شاكلة “هذا سيفوه وهذي خلاجينه”، و”انفخ يا شريم” وغيرهما، دون نتيجة، فقد أصبح النقد رغم محدوديته وضآلته بسبب قوانين القمع في مدونات الدولة بلا جدوى، وهذا محبط، ويخلق حالة نفسية سوداوية بالعجز وفقدان الأمل في التغيير، ولا يبدو أن هناك من يستوعب حجم الأزمات الحالية والمقبلة عند أهل السلطة.
إذا لم أكن ناسياً، فقد كتبت مقالاً منذ زمن طويل دعوت فيه إلى تسليم إدارة الديرة كلها إلى شركات أجنبية “تأخذ المعلوم” وتقدم خدمة معقولة، ولا يعني هذا التسليم للأجنبي بنهب مقدرات الدولة، فالنهب موجود في كل الأحوال، من أهل الداخل ومن المعارف، فماذا يختلف الأمر حين يكون النهاب من الخارج بدلاً من ابن الوطن؟! على الأقل في حالة الأجنبي نتوقع بحكم خبراته الفنية أن يقدم خدمة أفضل.
المسألة ليست فقط مسألة مطار مزدحم خانق، ولا هي زحمة مرور قاتلة، ولا هي مخرجات تعليم فاشلة ومؤسسات تعليمية متردية، وليست خدمات طبية متواضعة، ولا هي إدارات وزارات ومؤسسات حكومية غير منتجة تضج بحجم مهول من الكسالى غير المنتجين بسبب نهج الواسطة والمحسوبيات وسياسة توظيف عمياء، وليست هي حالة اختناق اجتماعي وملل وخواء روحيين، وليست فقط حالة قمع سياسي وملاحقة بقفازات قانونية ناعمة للرأي المعارض… هي كل ما سبق وأكثر، هي حالة تزاوج بين فساد وجهل مركبين، وهي غياب مؤسسات دولة فاعلة وغياب لحكم القانون، ولا حلول في النهاية عند الحكومة غير الترقيع والمزيد من الحلول الترقيعية كالتي نشهدها الآن في المطار أو غير المطار، فأصبحنا دولة ترقيع بترقيع… ومرة ثانية وثالثة ورابعة… انفخ يا شريم وهذا سيفوه.