العمل الإرهابي الذي استهدف مدنيين في ناد ليلي في أورلاندو في الولايات المتحدة يطرح إشكالا كبيرا، فهذا العمل البعيد عن مناطق الصراع، ورغم ادانة المسلمين لهذا العمل وعدم تحملهم لمسؤوليته، إلا أنه يرفع منسوب الكراهية بين المسلمين وغير المسلمين. ترامب، المرشح الجمهوري للإنتخابات الاميركية يعلن في تصريح له انه يريد منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بينما يعلن الرئيس أوباما ان العمل الإرهابي جزء من حالة فردية داخلية لا علاقة لها بالارهاب العالمي، وانه يجب ان لا يعمم الامر على المسلمين أو غيرهم.
إن العنف الذي يصدر عن مسلمين في العالم يعكس وجود بيئة تتميز بغياب الثقة والخوف المتبادل بين الشرق والغرب. ففي جانب تدان هذه الإعمال كلما وقعت من المسلمين شعوبا وأنظمة وذلك لتطويقها وبناء الأمل بعدم تكرارها وذلك لكونها تقتل أبرياء ثم لكونها تنشر الخوف والعنصرية. لكن من جهة أخرى سيكون كل تحليل ناقصا لو تجاهلنا الأزمة المرتبطة بالحروب في منطقة الشرق والاوسط والدور الغربي في البلدان العربية والدعم المقدم لإسرائيل وإحتلالها. لا يمكن أن يكون كل هذا الارهاب الذي يقوم به مسلمون كالحادي عشر من سبتمبر 2001 وأعمال عنف كبرى تستهدف مدنيين في الولايات المتحدة وفي فرنسا وبلجيكا وقبلها لندن بلا مضمون سياسي وإجتماعي يمكن تفسيره في اطار علاقات القوة والضعف والعسكرة والحروب وفلسطين والسيطرة بين الغرب والشرق. الإستهداف للغرب ورموزه لا يعكس كرها للثقافة والحياة الاميركية والأوروبية، بل لو كان الأمر كذلك لكانت العمليات التي يقوم بها افراد من داعش والقاعدة وغيرهما استهدفت الصين والهند والبرازيل وتايلاند وسنغافورة وكوريا والقارة الأفريقية. الواضح ان هذه الدول غير مستهدفة لأنها لا تشارك في حروب الشرق ولا دعمت إسرائيل في استيطانها
علينا إذن أن نتعمق في طبيعة العلاقة بين الشرق العربي والاسلامي من جهة والغرب الاميركي والاوروبي الاكثر مشاركة في الارث الاستعماري للإقليم، والاكثر تصديرا للسلاح لإقليمنا والاكثر دعما لنمط من الأنظمة السياسية التي مارست ولاتزال تمارس الاستبداد بما فيها إسرائيل في فلسطين. إنفجار بعض من العالم الاسلامي في وجه الغرب ما هو الا تعبير عن عمق الظلم الذي يشعر به قطاع كبير من المسلمين، لكن تصدير العنف للعواصم الغربية تعبير عن تفكير شاع بين أقلية صغيرة من المسلمين مفاده بأن الظلم الواقع بين الشرق والغرب يمكن ازالته من خلال ظلم مضاد ضد المدنيين والأسواق والشوارع والصحف والنوادي الليلية وحفلات الموسيقى في الغرب.
إن الإرهاب كما ينتشر اليوم يمثل مدرسة الأقلية في العالم الاسلامي، لكنه، بنفس الوقت، نتاج شعور أوسع في العالم الاسلامي بفقدان الوجود والخسارة التاريخية وإستمرار الاستبداد، وفقدان فلسطين وسقوط العراق ثم سوريا وبقية الدول العربية التي تعاني. إن الجهادية التي تفجر في العالم لا تعي بأن عنفها على الصعيد العالمي لن يسهم في تحرر المسلمين و تكبيل الغرب وإنهاء الإستبداد، بل سيسهم في مزيد من التفكك، فالظلم المضاد ضد المدنيين في عواصم العالم، بما فيها العواصم العربية، ليس طريقا للتحرر بقدر ما هو طريق للتدمير الذاتي.
لا مخرج لهذا الوضع الا بتصحيح العلاقة بين الشرق والغرب، على الغرب أن يتوقف عن دعمه غير المشروط لإسرائيل، على الغرب ان يتوقف عن التدخل العسكري في منطقة الشرق الاوسط إلا في حدود منع الظلم والقتل ضد المدنيين، على الغرب أن يعيد النظر بموقفه من الحريات والديمقراطية في البلدان العربية، فكل دعم للاستبداد سيقابله عنف فاقد للمسـؤولية والإنسانية يعود للغرب إرهابا، وكل دعم لتفتيت الإقليم العربي سيتحول عنفا يصيب كل الأطراف بما فيها الأغلبية الأسلامية. لن نجد طريقا لمستقبل أفضل سوى بتغير العلاقة المرضية بين الشرق والغرب وخلق بيئة صحية للعدالة والحرية في الواقع العربي/ الإسلامي.