“مثل الذي يحمل الصخرة الكبيرة ليرميها على قدميه”، التشبيه السابق كان لماوتسي تونغ، يمكن تصوره الآن لمن يعارض ويدعو لمواصلة المقاطعة لانتخابات المجلس القادمة. لنتفق أولاً أنه لا توجد حياة سياسية حقيقية بالكويت فهي مصادرة بالكامل من قبل الأسرة الحاكمة ومن يتبعها، ومنذ ولادة الدستور حتى اليوم لم يحدث أن مارس الناس الديمقراطية بصورة معقولة، الدستور الذي يعطي أعضاء الحكومة ثلث أصوات البرلمان هو بحد ذاته نقص كبير، والتوفيق بين المادتين الرابعة والسادسة من الدستور هو مضيعة للوقت وتلفيق فقهي لا أكثر، وحتى بهذا الدستور المتواضع كانت الممارسة من أسرة الحكم هي حل البرلمان دستورياً، كما حدث في السنوات الأخيرة بعد التحرير أو بغير الطريق الدستوري قبل تاريخ التحرير.
متى اتفقنا على ما سبق يبقى هامش الحريات السياسية (ومجمل الحريات) محصوراً بهذا المسخ الدستوري، وهي حريات تحاصرها الخطوط الحمراء من كل جانب، وتحت هذا القدر الضئيل لتلك الحريات لدينا هامش أكثر ضآلة في حريات الضمير، ومنها حرية الإعلام كاشتقاق لحرية الكلمة، فهي متواضعة ومخجلة، وما حدث من تشريعات تخيط أفواه البشر، أو من ممارسات في الملاحقات القانونية عبر التشريعات الأخيرة، أو خلال الملاحقات القانونية (قانونية لا يعني دستورية) للمغردين أو المتظاهرين السلميين المعارضين لمرسوم الصوت الواحد، يخبرنا عن الحالة السيئة للواقع السياسي الكويتي، الذي يتدهور من سيئ لأسوأ.
هل هذا يعني أن نواصل مقاطعات الانتخابات المتواضعة بحجة أن استمرارها سيزيد عزلة النظام – مع أنه لم يعزل في أي يوم طالما ظل مهيمناً على الاقتصاد – كان من المتصور مواصلة المقاطعة حتى تتغير الأمور، كما يعتقد الكثير من الرموز المقاطعين ومن يؤيدهم، وكان من الممكن إنجاح العزل السياسي لو كانت لدينا معارضة على مستوى الطموح، لكن يظهر واضحاً أنه بحالتها الضعيفة وفقدها الزخم الشعبي نتيجة سياسة الدينار أو العصا والجزرة يستحيل عليها أن تقدم شيئاً يغير من المجرى السياسي اليوم، إذن ما العمل؟ هل نقبل بديمومة هذا الحال التعيس، أم نشارك في المجلس، وندخل في مغامرة عنوانها “عل وعسى أن يحدث بعض الإصلاح السياسي”؟!
المشاركة في المجلس قد تعني، بتصور ما، إسباغ الشرعية على مجلس الصوت الواحد، إضافة إلى شرعية حكم المحكمة الدستورية، الشرعية المحتملة هنا هي الشرعية السياسية، ربما، تضيف المشاركة من رموز المعارضة هذه الشرعية المطلوبة، وأيضاً يمكن القول إن صوت المعارضين الجديين سيكون ضعيفاً ومهمشاً بالمجلس القادم، لكن مع ذلك وحتى بهذا الضعف والتهميش المتصور، فإنه سيكون أفضل من اللا شيء، ولا حاجة لنردد موعظة “العوض ولا القطيعة”، أو نسأل المعارضين للمشاركة ما إذا كان لديهم حل آخر غير الوقوف والمراوحة!
وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي مزر، وترك الأمور على حالها ليس هو الحل، المشاركة المحتملة لن تنقذنا أو تخفف من ثقل القيود التي وضعتها السلطة حول معاصمنا وأقدامنا، لكن تحت أي ظرف يمكن عدها كمحاولة، أي محاولة أن نجرب أن نسمع ولو صوتاً واحداً بالمجلس يقول كلمة “لا”. نريد أن نسمعها مرة واحدة قوية مجلجلة، فقد توقظ الوعي النائم في بلد “الحمد لله مو ناقصنا شي”.