ليس واضحا ما تنويه الصين تماما من مشاريعها في جزر البحر الجنوبي المتنازع عليه. فبجانب المدرج والطائرات التجارية للسياح، هناك الطائرات الحربية التي تهبط وتغادر في الجزر الصناعية الجديدة. بنت الصين منتجعا سياحيا تغنى به مشاهير الغناء الصينيون، كما منارة للملاحة أخيرا، ومزارع صناعية ضمت 500 رأس من الماشية بما في ذلك الخنازير والدجاج والإوز وبركة للسمك. وتخطط الصين منتجعاتها التي ستستضيف حفلات الزفاف ورحلات الغوص. ووفقا لوكالة شينخوا الصينية قبل أيام، بنت الصين مستشفى في الجزيرة الصناعية أيضا على مساحة 160 ألف متر مربع، مجهزا بمرافق ومعدات طبية وأجهزة حديثة، بعد التشاور مع المختصين الطبيين حول العمليات الكبرى وعلاج الأمراض النادرة التي يمكن أن يقوم بها هذا المستشفى، المزود بحديقة ضخمة من أشجار جوز الهند والنباتات الاستوائية.
عسكرة الصين الجنوبي زادت من دقات قلوب جيرانها، فهرعوا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي. لكن وكأن الصين ترفع البندقية في جو راقص في هذه الجزر بين الرسائل المدنية وبين الحربية، فترمي لهم بعض الإشارات الغامضة الناعمة مع الغامضة المخيفة. ففي شباط (فبراير) الماضي، كشفت صور الأقمار الصناعية عن قاذفات صواريخ تم نشرها على الجزيرة نفسها، يقول موقع مختص بالدفاع “يمكننا أن نرى النسخة الإعلانية الآن تماما مثل جزر المالديف، ولكن مع قاذفات الصواريخ”.
تنافست الصين والفلبين وماليزيا وفيتنام وتايوان وبروناي لعقود من الزمن على ملكية جزر في بحر الصين الجنوبي، حجمها يمتد عبر مساحة قد تصل إلى نحو ربع مساحة المملكة. وتعتبر الصين جزر سبراتلي ـــ التي تدعوها نانشا ـــ جزءا من ولايتها منذ الأربعينيات. ومطلع العام الماضي، تم رصد سفن صينية تنقل صخورا ورمالا ومواد بناء وذلك لبناء جزر جديدة في البحر، والمذهل أنها أنشئت بسرعة قياسية في غضون 18 شهرا فقط. وتطالب الصين بالسيادة على أكثر من 90 في المائة من مياه بحر الصين الجنوبي، الذي تعبر خلاله تجارة عالمية تقدر قيمتها بنحو خمسة تريليونات دولار سنويا. والمهم أيضا أنه وفقا لتقرير عام 2013 من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ربما يحتوي بحر الصين الجنوبي على ما يصل إلى 11 مليار برميل من النفط و190 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
لكن الصين أمام أمرين، فقضية بحر الصين الجنوبي قد تتضارب وسياسة الصين الخارجية. التوسع في الجزر الجديدة قد يؤثر دبلوماسيا في سياسة بناء طريق الحرير البحري في جنوب شرق آسيا. مشروع طريق الحرير حزام اقتصادي يربط وسط آسيا وأوروبا ويمتد فرعه إلى بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، وهو الاستراتيجية الاقتصادية الكبرى للصين، مع طموحاتها المتزايدة في مد نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي العالمي. فهذه المنطقة تضم 4.4 مليار إنسان في 64 دولة وإنتاجا اقتصاديا إجماليا يبلغ 21 تريليون دولار، أي ضعف إنتاج الصين السنوي أو 29 في المائة من الإنتاج العالمي. وهنا تكمن دبلوماسية الصين الاقتصادية، وإن جاءت في إطار سياسي. لذا فمشروع الجزر يلامس بحذر طموحا كبيرا آخر للصين. فالصين أمام طريق الحرير، الذي ينبض له قلب رئيسها جينبينج، وبين قضية جزر البحر الجنوبي الذي تخشى من تبعاته كإمكانية قيام حلف ضدها مكون من أمريكا والدول المعارضة لسياسة الصين في البحر الجنوبي كاليابان وأستراليا والهند، وقد يحظى بتعاون دول آسيا الرئيسة مثل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة. فرغم الاختلاف بين أمريكا والصين في قضية بحر الصين الجنوبي، الذي ظل لعقود طويلة بحيرة أمريكية، إلا أن الطرفين معا يسعيان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والحوار الدبلوماسي، بعيدا عن الاحتكاك العسكري.