استبعد النائب العام شبهة ازدراء الأديان والمساس بالقرآن في القضيتين المرفوعتين ضد الأستاذة شيخة الجاسم، وقرر حفظ القضيتين.
وقد أوردت القبس حيثيات القرار، الذي جاء ليصب ماء عذبا على تربة طال عطشها للحرية.
لقد أبدعت الاستاذة الجاسم في موقفها وفي دفاعها عن قضية منع الاختلاط في الجامعة، ليأتي قرار وزير التربية الأخير بالعودة «للتعليم الطبيعي» مناصرا لموقفها، الذي سبق أن كرَّسته المحكمة الدستورية.
وقالت النيابة في معرض دفاعها عن قرارها إن المشكو بحقها لم تتلفظ بعبارات مُسيئة للدين. وبينت النيابة أن الأركان التي على أساسها تقوم جريمة ازدراء الأديان هي:
فعل التعدي، أي إذاعة رأي يتضمن سخرية أو تحقيرا أو تصغيرا لدين أو مذهب. بيد أن القانون (وهنا الروعة في الرد) يترك الميدان واسعا للمناقشة وإبداء الرأي والفكر، فليس صحيحا أن كل رأي في مسألة دينية أو مذهبية هو ازدراء لهذا الدين أو طعن في ذلك المذهب، إذ إن التعدي لا يعتبر جزءا لازما وحتميا لكل مناقشة دينية أو شرعية. مع ضرورة التفريق بين المناقشة العلمية المصحوبة بحسن النية وخلافها المقترنة بالإهانة والطعن أو التحقير، ذلك أن الجدل، وإن كان محموماً، لا يُعد إهانةً للدين، وأن لكل شخص الحق في إبداء آرائه في حرية تامة متى ما خلت عباراته من ألفاظ السباب والإهانة والتجريح. وألا جريمة إذا أذيع بحث علمي في دين أو مذهب، في محاضرة أو مقال أو كتاب علمي، بأسلوب هادئ متزن خالٍ من الألفاظ المثيرة، وثبت حسن نية الباحث باتجاهه إلى النقد العلمي الخالص.
أما الركن الثاني، فهو العلانية. والركن الثالث هو محل الاعتداء على الدين أو المذهب الديني. أما الركن الأخير، فهو القصد الجنائي، أي قيام الدليل على توفّره لدى المتهم، وذلك بإثبات اتجاه إرادته إلى تحقير ذلك الدين.
ولفت النائب العام إلى أن الدستور ينص على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة»، إذ إن لكل فرد في المجتمع حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول والكتابة أو غيرهما، دونما حاجة إلى تحديد موضوع ذلك الرأي أو قصره على أمر ما. فالرأي والتفكير والإبداع صفات العقل المستنير تقود صاحبها إلى الحق والصواب، فتكون له الحرية في مناقشة المسائل الدينية لدين من الأديان أو مذهب من المذاهب ما دامت لا تخرج عن حدود البحث البريء أو المناقشة الخالية من البذاءة أو الإسفاف، وبما لا يخل بالسلم العام، وذلك لكي لا تستحيل حماية الأديان والمذاهب إلى ضغط أو كبت يؤدي إلى التخلف والتقهقر والاستبداد.
وقالت النيابة: «إنه لا يلزم أن يلقى فكر الباحث أو منهجه أو مسلكه إطراء الكافة أو حتى قبولهم لينأى عن التجريم، أو تستحيل آراؤه المخالفة للبعض سبيلاً للرصد والملاحقة وإنزال العقاب، مع التنويه بأن دعوة بعض المختصين في السياسة لإعمال مبدأ فصل الدين عن الدولة بحسابه مفهوما سياسيا لا دينيا، أنكره البعض وأيده الآخر، وبما لا يُعد مساسا بأصل الدين وثوابته، بل إن التعارض المحمود يفتح باب الحوار المُتزن على مصراعيه، وصولاً الى نشر الفكر الصائب والمُستنير بأسانيد جلية وبراهين دامغة، وان الزعم بغير ذلك إنما هو مسخٌ لدلالة الألفاظ، وتكبيلٌ لحرية التعبير، وحجرٌ على العقول».