لعقود مضت وربما لعقود ستأتي، النفط سيد اللعبة. نقول ذلك وسعر خام برنت يستعيد طاقته المنهكة حتى 50 دولارا، بعدما هبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارا بداية العام الحالي. أمن الطاقة العالمي أمر حيوي جدا للاستقرار. وبطبيعة الحال، لا يمكن إغفال ذلك التداخل الحيوي أيضا بين الشؤون الاقتصادية والنفطية وبين السياسية والأمنية والاجتماعية. ارتفع الجدل في الأعوام الأخيرة حول علاقة سياسة المملكة النفطية بسياساتها الخارجية، وإن كانت سياسة النفط تحولت إلى سياسة أم أن ذلك مجرد تكتيك اقتصادي فحسب. وقد لا يكون وراء سياسات النفط أولوية سياسية بل اقتصادية، لكن بلا شك له تبعات سياسية. قبل نحو ثماني سنوات من الانتخابات الأمريكية، تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حملته الانتخابية الأولى بأن واحدا من اهتماماته الاقتصادية أنه سيحرر أمريكا من نفط الشرق الأوسط. وقد ارتفع إنتاج أمريكا من النفط الصخري بالفعل، وكاد ينجح الأمر لولا السياسة النفطية لدول كالمملكة فضلت الاستمرار في الإنتاج رغم زيادة العرض وتأثير ذلك في الانخفاض الحاد لأسعار النفط. وبطبيعة الحال فإن شراء النفط في بعض الدول المنتجة أرخص من استخراجه مع تخمة العرض، فقد تأثرت استثمارات واقتصادات دول كبرى كأمريكا وكندا وفنزويلا وروسيا.
لذا فقد كان النفط أيضا سببا مهما وراء الهجوم الإعلامي على المملكة. وإن بدا هذا الهجوم عامة لأسباب سياسية إلا أن النفط كان أحد العوامل الحيوية وراء الكواليس. وليس انخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك في إنتاج النفط الصخري فحسب، بل في تأثير ذلك في اقتصاد السعودية الذي بالتالي قد يؤثر في أموال البترودولار وحجم استثماراتها في أمريكا، ومن بين ذلك قضية الاستثمارات السعودية في السندات الحكومية الأمريكية. الأمر الذي أخرج كثيرا من التقارير الهجومية سواء السياسية أو تلك التي تروج ـــ غالبا انتقاما ـــ لانهيار السعودية واقتصادها. ولطالما اتهمت السعودية في سياستها النفطية الأخيرة لضرب إيران وروسيا، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنه حتى بعد رفع العقوبات عن طهران بموجب الاتفاق اصطدمت آمال إيران بعراقيل أمريكية. فالاتفاق لم يشمل تلك العقوبات المالية الأقدم التي تقضي بتحجيم تعاملاتها المصرفية باعتبارها دولة راعية للإرهاب، ما دفع قلة فقط من شركات الطاقة للجوء إلى مصارف صغيرة لإتمام صفقاتها مع طهران.
كان النفط أيضا لعبة خطرة، فوفق ما نشرته “بلومبرج” قبل أيام حول وثائق سرية وأزمة النفط التي ضربت الولايات المتحدة وارتفعت أسعاره أربعة أضعاف جراء الحظر الذي فرضته الدول العربية وعلى رأسها السعودية في مجموعة “أوبك”، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم، وانهيار سوق الأوراق النقدية، ومعاناة الاقتصاد الأمريكي.. حتى التقى وزير الخزانة الأمريكي آنذاك الملك فيصل في مهمة شائكة الهدف منها تحييد النفط الخام كسلاح اقتصادي، وإيجاد سبيل لإقناع السعودية بتمويل العجز الأمريكي المتفاقم بأموال البترودولار “خطة الحياة أو الموت هذه أثرت في ما بعد في جميع أوجه العلاقة السعودية ـ الأمريكية تقريبا في العقود الأربعة التالية: أمريكا تشتري النفط من السعودية وتؤمن المساعدات والتجهيزات العسكرية للمملكة، في المقابل، على السعودية أن تستثمر المليارات من عائداتها النفطية في شكل سندات الخزانة وتمول الإنفاق الأمريكي”.
الشرق الأوسط منطقة من أهم المناطق التي تحدد مسار السياسة الدولية، والسعودية دولة محورية فيه سياسيا وأمنيا واقتصاديا. والنفط وإن بدأنا بالفطام، إلا أن “رؤية ومشروع المملكة 2030” ما زال يتطلب أكثر من عقد لتحقيق ما فيها. ما يعني أن عائدات البترول ستبقى مصدرا مهما مع عودة العافية له خلال هذا العام أو العام القادم، حيث هناك الكثير من التوقعات الاقتصادية التي تعتقد بعودة الروح وتخطيه حاجز المائة دولار مجددا.