في حقبة الستينات من القرن الماضي كان أهل الكويت يمتازون بالتلقائية والعفوية الصادقة؛ فتجدهم واضحين في آرائهم وتعابيرهم لا يداخلها التكلف ولا المجاملة. الناس كما يقال كانوا يعيشون على سجيتهم، حتى تواصلهم الاجتماعي كان نبيلا ولأسباب ودية كاملة، تزاورهم كان مظهرا يطغى على حياتهم، علاقاتهم، أحاديثهم، مظاهرهم، ملابسهم، مشاعرهم كانت جميعا طبيعية وتلقائية، ولم تكن لديهم عقد ومظاهر مرضية في سلوكهم ولا مشاعرهم تجاه بعضهم، كان التسامح مظهراً بارزاً في تعاملهم في كل الشؤون، والتواضع خلقاً تلمسه في الكبير قبل الصغير، في ذلك المجتمع نشأت، وفي معيته ترعرعت، ومن نبل أخلاقه وسلوكياته تغذيت، وكانت تلك بالنسبة إلي مدرسة وثقافة منها تخرجت وبآدابها تزودت.
منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم مضى ما يزيد على أربعين سنة عايشت شخصيا فيها تغييرات كبيرة مريعة ومخيفة ومحزنة لما آلت إليه أحوال أبناء بلدي، فقد صار الناس غير الناس، فقد تلاشى كثير من قيم التواصل وحسن الظن، وتمني الخير.. وحل مكانها الحسد والتصنع والتكلف في العلاقات الاجتماعية، خصوصا بين أجيال الخمسينات والستينات، وتراجعت نوازع الحماسة والغيرة الوطنية وصارت المصلحة رائد معظم الناس في التعاطي من القضايا الوطنية، وصار التسلق على الوطن وإهدار مصالحه لمكاسب شخصية وحلب المواطنة ديدن كثير من الناس، ومع دخول فئة جديدة من المواطنين زادت مظاهر السلوك الانتهازي في كل المجالات.
وقد ساعد غياب الردع الإداري والاجتماعي على تفاقم مظاهر التحلل من طائفة من القيم النبيلة، بل برزت حالة الصراع واختلاق الخلافات وتزايد التفكك والشراسة في محيط العائلة الواحدة حتى بلغ الأمر أن تجاسر الأبناء على والديهم برفع قضايا مدنية وجنائية أيضا، وأغرق المجتمع في دوامة الماديات، وطفت على السطح المظاهر الخادعة التي يحاول الناس أن يظهروا أنفسهم بها، وهم خواء من كل قيمة حقيقية تستحق التقدير.
ولو حاولنا أن نعيش الصورة بشكل أوسع لفهمنا أن تظاهر الناس بالسعادة، وهو حقيقة يتجمل فيها الناس الأبناء مع الآباء والأزواج ولكن الروح الإيجابية التي تدب في جيل الشباب الواعد اليوم ورغبته في التصحيح وطاقته الإيجابية تعطينا مؤشرات بأننا عائدون لتجديد قيم وغرس ومظاهر الإيجابية لمجتمعنا الأصيل ومعدنه الطيب.