كل الكلمات التي تتسابق أمامي على الصفحة لا تصلح للنشر. كل حرف منها يقودني إلى تهمة أمن دولة، وتهم أخرى إضافية، أقلها “الإضرار بالعلاقات مع الدول الشقيقة” و”سب وقذف مشايخ السلطات ومثقفيها”، قبل أن أدخل في متاهات الجرجرة في المحاكم والمطالبات بالتعويض المدني، باعتباري جرحت مشاعرهم.
لكن السؤال هو: ثم ماذا؟ شاهدنا الصور ومناظر الدم، وتابعنا نشرات الأخبار الحمراء. ثم ماذا؟ بكينا، ثم رفعنا أيدينا بالدعاء، ثم شتمنا المُهادنين والمتخاذلين والفرحين… ثم ماذا؟
مَن سيجمع التبرعات لمنكوبي حلب سيُقيَّد إرهابياً. ومن يسعى إلى إيصال الدواء والمعدات الطبية البدائية للجرحى سيُسجل متطرفاً، في سجلات أميركا، وسيغلق حسابه البنكي في دولته الخليجية، ويُفصَل من وظيفته، وتُقفَل كل أبواب الدنيا في وجهه، وتفرغ ثلاجة بيته، ويجوع أطفاله، ويصبح جزءاً من مأساة حلب، بدلاً من أن يكون جزءاً من علاجها وتخفيف جراحها… ثم ماذا؟ يبقى هذا السؤال معلقاً.
والسؤال الآخر: ما نفعُ كل ما قيل وما كُتِب؟ ما الذي سيجنيه الصارخون تحت أنقاض حلب، والمحترقون ببراميل الحقد، وبقية المكلومين، من كلماتنا وصرخاتنا؟ هل ستتغير أحوالهم؟ الإجابة: نعم. الفوائد من بكائنا وصراخنا لا تُعد ولا تحصى. أدناها فضح ما يجري، وتدوينه، لا السكوت عنه وكأن شيئاً لم يحدث. وأعلاها إيصال بكاء أهل حلب إلى الدنيا، لعل هناك مَن يسمع ويتحرك ويحرك. فلا تستهينوا بالبكاء والصراخ والكتابة والحديث عما يجري.
لا تستهينوا بشيء. افعلوا كل ما في استطاعتكم من دون استهانة به وبأنفسكم، تحدثوا ولو بـ”شق كلمة”.