كان بعض التجار ممن يرأس شركات معينة يشتري أسهماً باسمه، فإذا نزل سعرها حولها باسم الشركة التي يرأسها بسعر التكلفة، والبعض الآخر كان يشتري عقاراً ما ويبيعه على الشركة التي يرأسها بسعر أعلى من السوق، من خلال تلك المحافظ المالية التي يساهم بها الناس، طبعا من دون علم المستثمرين بالمحفظة، وغيرها من طرق التحايل «الكلاس» التي تقوم بها طبقة من المجتمع لا يجوز لك أن تفكر في أن تتهمهم بشيء!
هذا النوع من التحايل ذكره الدكتور فهد الثاقب في كتابه «ظاهرة الجريمة والانحراف» وأسماهم – حسب نظرية ساثرلاند – بأصحاب الياقات البيضاء، ونحن نسميهم تجاوزاً في مجتمعاتنا: «أصحاب الدماء الزرقاء».
ومع تطور الجريمة وتحررها في مجتمعاتنا، لم تقتصر التسمية على «نوع» أو «عنصر» معين من الناس، بل على سلوك ينتشر بين أولئك الذين يحصلون على السلطة، ويستغلون مناصبهم بعد إغراءات نتجت عن عدم محاسبة ومعاقبة المتحايل على المال العام والقانون، فأصبح الغني والفقير، سواء كانت له ياقة بيضاء أم لم تكن له، يمشي على طريق الجرائم «الخمس نجوم» في التحايل على القانون، وزد على ذلك ضعف التشريع وانعدام تطبيق القانون ومزاجية المحاسبة، وفقدان أي شاهد أو دليل على معاقبة مسؤول سابق في تجاوز على القانون.
ومن هذه «الجرائم الناعمة» المخضبة بالدم الأزرق ولا تجد من يحاسبها، جرائم الشركات والتلاعب في الاكتتابات، الجرائم الاستهلاكية وخصوصاً ما يحدث من ترويج للبضائع والرشى والتجاوزات في الجمعيات التعاونية، جرائم العقارات بترخيص قطع من أراضي الدولة لأشخاص من دون وجه حق والغش في التراخيص الصناعية والزراعية، واستغلال المناصب في المناقصات وتقديم الميزة الأفضل والمعلومة مقابل مبلغ مالي تحت الطاولة! وغيرها من الجرائم وصور الاحتيال الكثير، فهنا لا تجد «الحرامي» يسرق عينك عينك، بل بترويض صاحب النفوذ ومشاركته بالمصلحة أحياناً.
علينا أن نعترف بأن شطارة الحرامي تعدت تطور القوانين، فالقوانين لم تتطور وهذه الحيل التي يسيطر عن طريقها هؤلاء على المال العام، وكلما قام شريف بالمطالبة بتطوير هذه القوانين، تصدى له آخر في تأخير وشل أي تشريع يقوض من سلطته للاستيلاء أكثر على المال العام. لهذا يبذل هؤلاء كل قواهم للتأثير على القرار السياسي والتشريعي. هذه الجرائم لا تجد من يعاقبها، وانتشار هذه الجرائم في مجتمعنا يُساهم في فساد مؤسسات الدولة ويحصد خير أجيالها، فهل نحن واعون؟