أحياناً يصبح اليأس ضرورة، ففي بعض الأحوال، قد يكون من الأفضل أن نتقبل اليأس كقضية ضرورة، فاليأس من عجز الإنسان عن تغيير وضعه الخاص أو الحالة المحيطة به يصبح ضرورياً لإنهاء المعاناة النفسية، فالمريض بسرطان متأصل بجسده ولا جدوى من علاجه، مثلما أخبره الأطباء، يصبح اليأس لحالته ضرورة، حتى يرتاح من أوهام الأمل أنه قد يتعافى يوماً ما بمعجزة هي ضرب من المستحيل، عندها يصبح التسليم بالقضاء والقدر، وبأن ساعة خلاصه بنهاية الحياة هي أقرب له من غيرها، لا أكثر، فالكل سيموت، والفرق أن قطاره سيوصله إلى محطة النهاية قبل غيره، عندها يصبح اليأس علاجاً رائعاً له كي يحيا يومه لحظة بلحظة دون وهم وأمل كاذبين.
حين تذهب لقضاء معاملة ما في مؤسسة حكومية، فتحبط لطول إجراءات المعاملة، أو لغياب المسؤول أو لألف سبب آخر من أسباب كثيرة، نجترها في مقالاتنا بالجرائد المكررة… أو حين تعجز عن إيجاد موقف لسيارتك إذا أردت قضاء حاجة ما بسبب زحمة المواقف المخصصة، لأن بلدية “البعارين” رخصت لعمارات دون مواقف، أو لأن مسؤولاً بها قبض مثلما يقبض غيره في مؤسسات الرشا والمحسوبية، فتحولت العمارات من استثماري لتجاري أو من سكني لتجاري وغير ذلك من مصطلحات تسوقها اللغة الرسمية لعلماء البناء والتراخيص الرسميين، وتتحدث وتكتب “بمقالاتنا بالجرائد المكررة” وتعلم بلا جدوى الكلام والشكوى لمن في آذانهم وقر، يصبح اليأس هنا ضرورة.
حين تصبح أيامك نسخاً سمجة تعيد نفسها دون توقف على صفحات زمن يطوي من عمرك، وتجد أن المسؤولين هم المسؤولون، منذ عقود وسنوات طويلة، تغيرت أسماؤهم ومناصبهم، لكنهم ظلوا مسؤولين من دون مسؤولية كما أنت مواطن بلا سلطة قرار نحو تحديد المسؤولية، وتدرك أن الكلمات التي تدون بالمدونات الإلكترونية وتكتب “بمقالات بالجرائد المكررة” وأنه، في النهاية، لا توجد نهاية، فالمسؤول يظل هو المسؤول، والسلطة هي السلطة، والكلام عن التغيير والتعديل يصبح أمراً مستحيلاً، عندها يصبح اليأس ضرورة.
حين تطالع أخبار العالم من حولك، وتمد بصرك خارج هذا الكون الكويتي، وترى بوضوح أن موجة الإعسار والمعاناة قادمة لا محالة، وأن هناك مآسي وبلاوي في العالم خارج “كوننا” الممل لا نشعر بها أحياناً، أو لا نكترث لها في أحايين غيرها، فطالما تم إرضاع الأجيال بحكم وشعارات “أنتم بخير ونعمة”، وتم حقن الوعي بأفيون “الأنا” بعيادة “أنا الخليجي” لعلاج الأورام النفطية، وتدرك، عندها، أن المسؤولين المباشرين الذين تسببوا في رخاوة الوعي العام وعدم اكتراثه في مكانهم العالي ولو غيروا ألقابهم، ويظل المسؤول هو المسؤول، هو المسؤول ولكن دون مسؤولية، مع ملاحظة أن المسؤولية تعني الآن، تحمل تبعاتها ودفع ثمن الأخطاء مباشرة وليس بطريقة “فراش البلدية” المسكين، وتتيقن، آخر الأمر، أنه لا جدوى من “المقالات بالجرائد المكررة”، يصبح اليأس هو المخلِّص من عذاب الحاضر.
ضرورة اليأس تهمس بآذانكم، بحكم عظيمة، مثل “هذا سيفوه وهذي خلاجينه” ومثل “انفخ ياشريم” ومثل “خل القرعة ترعى” وأمثال وحكم كثيرة غيرها من تراث “أوه يامال”… فلا تنسوا هذه الضرورة.