كانت مقاطعة الانتخابات بعد مرسوم الصوت الواحد خطوة مستحقة برأيي، بعد تطور طبيعي في الوعي السياسي، ترسخت بسببه القناعات بأن مؤسسة البرلمان لا يمكن أن تدار بشكل فعّال من دون وجود أغلبية قادرة على تنفيذ البرنامج الذي اختارها الناس على أساسه.
جاءت المقاطعة بعد أن بات واضحاً أن الحكومة لن تقبل بوجود أغلبية معارضة في البرلمان، وأن المعارضة المسموح بها يجب ألا يصل عدد أعضائها إلى الرقم الذي يسمح لهم بالتشريع والرقابة، ليبقى وجودهم للتنفيس، ولتزيين المشهد السياسي، فجاء مرسوم الصوت الواحد خصيصاً – باعتقادي – لرسم ذلك المشهد. أما إذا استطاعت المعارضة أن تصل إلى أغلبية، فإن السيناريوهات أصبحت معروفة ومحفوظة، فإما استقالة الحكومة، أو تدوير وزاري، أو حل المجلس، وأخيراً قد يبطل المجلس بحكم قضائي!
جاءت المقاطعة لتنسف فكرة أن وجود معارضة في المجلس هو العائق أمام التنمية، حيث كانت الحكومة تروج لهذه الفكرة. أما اليوم، فصار واضحاً للجميع بعد المقاطعة أن العلة ليست في وجود رقابة برلمانية قوية، وإنما في شيء آخر!
هذه الأيام تعود التساؤلات عن جدوى استمرار المقاطعة، وهي تساؤلات مستحقة، ولكن في اعتقادي أن التساؤل عن جدوى المشاركة هو الأكثر استحقاقاً. فإذا سلّمنا بأن فلسفة البرلمان قائمة على وجود أغلبية، ومن غيرها يتحول المجلس إلى «هايد بارك»، وأن الحكومة لن تسمح بوجود أغلبية تعارضها، وأنها ستلجأ إلى أحد السيناريوهات سالفة الذكر، فعلى ماذا نشارك؟!
منذ بداية مرسوم الصوت الواحد وقع العديد من التجاوزات والانتهاكات، فهناك اعتقالات، وتهم كيدية، وإغلاق صحف وقنوات، وسحب جناسي، وإبعاد، وقرارات وقوانين مجحفة في حق الحريات، والحقوق المالية للمواطنين باسم الترشيد والتقشف، فهل من خلال المشاركة سيُسمح بتصحيح تلك الأوضاع؟ وهل سيكون من الممكن فتح باب المحاسبة عليها؟! أم ستواجه الحكومة ونوابها تلك المحاولات بالطرق المجرّبة سابقاً، ويضاف إليها حذف محاور من الاستجوابات، أو إسقاط الاستجواب كاملاً، أو حتى التصويت على إسقاط العضوية، وستضطر المعارضة إلى القبول بذلك، لأنها قبلت منذ البداية بالمشاركة، والاحتكام إلى التصويت، في لعبة محسومة النتيجة سلفاً؟!
والسؤال الأهم الذي يجب على من يفكر في خوض الانتخابات من المعارضة أن يجيب عنه هو: أليس من الأجدى أن يكون النزول بشكل جماعي وفق برنامج واضح ومشترك يتبنى مشروع الإصلاح السياسي، وتكون استجابة الحكومة لهذا البرنامج هو أساس التعاون؟ حتى لا نعود لتكرار المكرر، وتجريب المجرب بالأسلوب ذاته منذ ما يزيد على النصف القرن؟!
المستقبل غير مطمئن، وهناك تعثر واضح في الإدارة، وقرارات ستتخذ، فيها مساس بحقوق ومكتسبات المواطنين، والحكومة والنواب لا يريدون تحمل كلفة كل ذلك وحدهم، فهم بحاجة إلى طرف آخر يتحمل معهم، ويخفف عنهم عبء الضغط الشعبي.. فهل تعود المعارضة لتكون هي ذلك الطرف؟!