وثيقة الإصلاح الاقتصادي، ووفق ما هو مطروح فيها من أهداف ونوايا، قد تغير الكثير من ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الكويت، بل قد تتحول هذه الوثيقة إلى دستور جديد يحدد موازين الثقل والقوة، وبالنتيجة صناعة القرار لغير مصلحة أكبر شريحة في المجتمع.
البرامج المطروحة في الوثيقة من جهة تزيد قوة القطاع الخاص وتمكّنه من ثراء سريع وتصاعدي كبير دونما الكثير من العناء، والمرافق الواردة في خطة الخصخصة وبدون استثناء جاهزة، ليس فقط في بنيتها التحتية، إنما كمشاريع متكاملة وقائمة ولكن بإدارة جديدة فقط، وبدون أي عوائد للدولة في مقابل ذلك، لا على مستوى الضريبة ولا حتى الانتفاع، حتى التوظيف في ظلها يكون على عاتق المال العام، في حين أن رسوم هذه الخدمات الجديدة ستزيد بالتأكيد، بما في ذلك قطاع الطاقة، على ظهر المواطن.
في مقابل الخصخصة فإن المواطن في ظل توجهات الوثيقة سيدفع الثمن كمصدر جديد لدخل الدولة من خلال رفع رسوم ما تبقى من الخدمات الحكومية كالمرور والجوازات والبطاقة المدنية وغيرها، بالإضافة إلى احتمال تخفيض الرواتب أو إلغاء المزايا والبدلات، في مؤشر بأن الطبقة الوسطى هي التي ستتحمل العبء المضاعف في دفع فواتير الحكومة التي فشلت على مدى عقود في إدارة مختلف أنواع الأزمات، ومنها الأزمة الاقتصادية المالية الحالية.
الخصخصة تظل فلسفة اقتصادية ناجحة، وحققت إنجازات مهمة في العديد من الدول، لكن بشروط ومتطلبات بعيدة جداً عن الواقع الكويتي، وفي طليعتها أن يواكب ذلك إصلاحات سياسية جذرية، وأن تكون صناعة القرار شعبية بامتياز، مع احترام قرارات الجهات الرقابية والعقابية وتطبيق نظام الضريبة المالية على الأرباح، وتحويل القطاع الخاص إلى مرفق تشغيلي ومنتج لا يستمر في الرضاع من ثدي الحكومة إلى الأبد.
من المفارقات المضحكة أن بلداً بحجم الكويت والموارد الغنية التي تتمتع بها يوازي في إيراداته وعدد الأفراد التابعين له شركة بحجم بوينغ لصناعة الطائرات أو شركة شل النفطية، والتي تدر كل منها أرباحاً تفوق إيرادات حكومة الكويت، فهل يعقل ألا تتوافر في دولة الكويت ذات التاريخ الحافل بالنجاح والتألق إدارة قادرة على تحقيق أهداف الرفاهية لمواطنيها البالغ عددهم مليون إنسان فقط؟ إن مشكلتنا الحقيقية ومرضنا المزمن يكمنان في الفساد السياسي بكل بساطة ووضوح، وما نحتاجه بالفعل وقبل حزمة الإصلاحات الاقتصادية هو الإصلاح السياسي وتقويم مؤسسات القرار، وتحويلها إلى قدوة للناس، فهل يقبل معالي السادة الوزراء مثلاً، أن يتنازلوا عن مكافآتهم التشجيعية التي تقدر بـ200 ألف دينار سنوياً، احتراماً لوثيقة الإصلاح الاقتصادي وكباكورة لسياسة التقشف؟ وهل الوثيقة نفسها تحقق المطلوب من أهدافها وإن اختلفنا بشأنها من حيث المبدأ؟ إن حالنا عندما تُوضع الوثيقة السحرية حيّز التنفيذ في ظل الحكومة والمجلس الحاليين لا تتعدى كونها “طالع وجه العنز واحلب لبن”!