ماذا سيقول أوباما لقادة دول مجلس التعاون، وماذا سيقولون له بدورهم؟ هل سيكون هناك حوار بين الدولة الأميركية الحامية “تاريخياً” للمنطقة وبين دولنا، أم سيكون هناك مجرد نقل وجهة نظر مفروضة ونصائح من الدولة الأقوى في العالم لدول أصغر منها بكثير؟!
نصائح شبه ملزمة من طرف تُملى ولا يتحاور عليها، وفي النهاية ليس لنا وفي مثل ظروفنا التعيسة التفاوض بشأنها، فالتفاوض أو الحوار يفترضان نوعاً من الندية بالعلاقات، ونحن لسنا نداً للأميركان.
ماذا سيقول أوباما لدولنا؟ هل سيذكرهم بحديثه لصحافي “الأتلانتيك”، جيفري غولدبيرغ، قبل شهر تقريباً، ويخبرهم بأن سياسة “فري رايد”، أي تعهد الحامي الأميركي بحل قضايانا الأمنية دون ثمن، انتهت، ويقول لهم إن اعتمادنا كأميركان وغربيين على نفط المنطقة، أيضاً انتهى، ولن أعيد في سورية خطأنا وفشلنا في ليبيا، حين صرنا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فتذكروا هذا جيداً ولا تذكرونا بما فعلناه بالعراق، حاولنا خلق دولة ديمقراطية هناك، ونسينا أن إرث المنطقة بعصبياتها وطائفياتها وانعدام مؤسساتها قد أوصل هذه الدولة إلى حالة “شبه الدولة” الغارقة بمستنقع الفساد والطائفية، وقد يوصل دولاً أخرى مثلها إذا لم نتعلم، فلا تؤنبونا، ولا تذكرونا بتضحياتكم أيام الحرب مع السوفيات بأفغانستان، فنحن جميعاً ندفع أثمان نتائجها الآن بجنون التطرف الجهادي، فهذا صناعة مشتركة بيننا وبينكم.
أنتم الآن – وكما كنتم دائماً – يا دول الخليج بحاجة إلى سلاحنا وجيوشنا، بينما تضاءلت حاجتنا إليكم، فسياستنا ونهجنا يقومان على فلسفة النفعية أو “البراغماتية” لديوي وستيوارت، وأنتم لم تعودوا كما كنتم بالنسبة إلينا، فتأقلموا وتعايشوا مع الجديد ومع ما يحدث اليوم في الدنيا، وتذكروا أنتم وشعوبكم أن البقاء، كما تعلمنا قبلكم من “أصل الأنواع”، هو لمن يستطيع أن “يتأقلم” ويطور نفسه مع الظروف المتغيرة ولا يتحجر، وليس لمن يتعذر بخصوصيته وماضيه، فالعالم أضحى قرية صغيرة، وليس لكم أن تنزووا تحت ظلال خيمة نائية بصحراء قاحلة، فالزمن يتدفق كتيار نهر جارف وكطوفان يزيل عن دروبه كل من لا يعرف العوم ولا كيف يطفو فوق الماء.
ماذا سيقول أوباما لدولنا؟ هل سيحذرهم بأن عليهم تحمل تحديات وقتهم من أمنية واقتصادية وغيرها، ويذكرهم بأن قوتهم تكمن في إيمانهم بشعوبهم وبحريتها، وبثقافة الشعوب حين تتحرر من الإنفاق العام لدولة، ومن الحالة العصبية العشائرية، ومن مرض “الخيل والليل والبيداء”، فلا توجد خيل يحارب بها اليوم، ولا ليل تتلألأ نجومه وأقماره، لا يوجد غير نور الفكر الحر الذي لا يخضع لوصايات سلطات الحكم أو السلطات الاجتماعية، ولا يوجد غير صناعة العلم والتقنية القائمين على التجربة، ولا مكان لمن يستهلك ويشتري نتاج العلم فقط ويعجز عن الإبداع ويحارب التجديد والتطوير.
كيف سيكون الحوار مع أوباما، وهل هناك من يفكر مراهناً بأن “غمة” الخليج ستزول حين تنتهي ولاية ضيفنا، أم عندنا من سيقول إن هذا رهان خاسر؟، فأوباما “رئيس” ولد من رحم مؤسسة مستقرة وتتطور مع الزمن، وحين يرحل أوباما، ستبقى المؤسسة وستظل “عقيدة” أوباما باقية مع من سبقها من عقائد قادة سياسيين سبقوه، وعلينا أن “نتأقلم” ونتطور بدورنا، ولا حل بغير هذا.