كلما قرأت خبراً عن استدعاء النيابة لأحد المغامرين بإبداء رأيهم في القضايا التي أعتبرها هي المحك الحقيقي لقياس الملتزمين بشعار الدفاع عن حرية التعبير، أقول «اتركوها لزمن لن يأتي»، وآخر مرة قلتها قبل أيام وأنا أتتبع خبر استدعاء الدكتورة شيخة الجاسم على خلفية تصريحاتها التي لم تفهم ولن يتاح لها أن تفهم في مرحلة مشبعة بالخلافات المتأدينة.
إن ترديد خطاب الدستور ومذكرته التفسيرية وحتى قانون توارث الإمارة بين أجيال متعاقبة حرمت من الاقتراب منه، قد يودي بصاحبه إلى محطات بعيدة من الإهانة و«الجرجرة» والتكفير لحين وصول الأمر إلى القاضي الذي أشعر كثيرا بتأففه من شرح ما لا يحتاج للشرح، وتأكيد ما لا يحتاج للتأكيد، وكل ذلك قابل للحدوث بشكل مجرد مع أناس مجردين من صفات الشخصيات العامة، فإذا ما حصل مع كتّاب ومفكرين وأساتذة وسياسيين محاطين بالخصوم والمنافسين، تضاعفت حالة الهيجان للنيل منهم تحت مبررات مثل الدفاع عن الدين أو الذود عن ثوابت الأمة… إلخ.
المغامرون في زمن التمظهر الديني، وأستثني منهم طلاب الشهرة المكشوفين لدي، أعتبرهم انتحاريين لأنهم يواجهون أكثر من خصم في وقت واحد في معركة لا تتوافر فيها مقومات الحد الأدنى للنجاح أو حتى الدفاع عن النفس، وهنا لا أريد نشر الإحباط خصوصا في نفوس الشباب المثقفين المقبلين على التفكير النقدي ومراجعة كل موروث باستعمال العقل، ولكني أود أن أهز فيهم «عضلة السياسة» التي لطالما أهملوا تمرينها على فهم معطيات الساحة، وفهم جدول مواعيد أبواب العقل الجمعي الذي يتقبل دخول فكرة مضيئة في لحظة، ويرفض شبيهتها في لحظة لاحقة.
هؤلاء المغامرون، ويهمني الشباب منهم، يواجهون أولاً ساحة تشربت لعقود متلاحقة جرعات مركّزة من الفكر المتشدد، جعلتها تميل للركون إلى التفسيرات السهلة، وكره كل قراءة متعمقة تبحث عن الحقيقة، هم يواجهون خصما متنمرا يتمثل بفئة من المحامين المتكسبين ليس لديهم هدف غير البروز والشهرة من خلال المبيت على حافة «التايم لاين» لتصيد أي كلمة أو هفوة وتحويلها إلى قضية رأي عام تدوم ربع ساعة لا أكثر، هم يواجهون جماعات متعطشة لأحكام الإعدام والتصفية الفكرية، أخيرا هؤلاء الشباب المخلصون يواجهون سلطة «متدروشة» تلجأ إلى الحلول الأسهل كإطفاء الكهرباء عن منطقة كاملة فقط لإصلاح «لمبة».
في الختام، لا أريد لأحد المبدعين أن يصمت أو يتنازل عن موقفه، كل ما أتمناه لهم أن يعرفوا الجمهور الذي يخاطبونه، والمنصة التي يلقون فيها خطاباتهم؛ لأن من أتعس الأخبار التي أقرؤها هي ملاحقة صاحب رأي على رأيه.