يعتبر العالم الإنكليزي تشارلز داروين Charles R. Darwin واحداً من أعظم علماء البشرية، بنظريته عن أصل الأنواع والتطور، التي قلبت كيان المعارف البشرية رأسا على عقب. وعلى الرغم من مرور ما يزيد على 170 عاما على النظرية، فإن الجدال على صحتها لم يتوقف يوماً.
يقول دارون إن كل الكائنات الحية على مر الزمان انحدرت من أسلاف مشتركة، وأن التطوّر نتج على الانتخاب الطبيعي، والصراع من أجل البقاء. فهناك مئات، أو ربما آلاف الكائنات، انقرضت بعد أن عجزت عن الارتقاء أو التطور.
وعلى الرغم من الإجماع العلمي الواسع الذي لقيته النظرية عند صدورها، وما اكتسبته من قوة ومنطق مع الوقت، فإن المؤسسات الدينية، المسيحية والإسلامية بالذات، لا تزال تعارضها، خاصة أن الكنائس الاميركية، مقارنة بالأوروبية، كانت ولا تزال الأكثر رفضا لها، منذ انتشارها مع نهاية القرن التاسع عشر. كما لا تزال ذكرى المعركة القضائية الشهيرة التي جرت في ولاية تنيسي عام 1925، بين مؤيدي ومناوئي النظرية، ماثلة في الأذهان، خاصة بعد تخليدها في فيلم شهير.
كما لا تزال حتى اليوم كثير من المعاهد التعليمية تعارض تدريس النظرية أو الاعتراف بها، وإن فعلت ذلك فمن أجل دحضها وبيان ضعفها، والسخرية من «حقيقة» أن التطور استغرق مليارات السنين، وأن عمر الأرض يبلغ 5، 4 مليارات سنة، بينما الكتب المقدسة تفترض أن عمر الأرض لا يزيد على بضعة آلاف من السنين، وبأن اصل البشر يعود لآدم وحواء. ومعروف أن بعض الولايات الأميركية كانت تمنع تدريس النظرية، وتحرم الإيمان بها، إلى أن أجبرت على التراجع عن قراراتها بسبب عدم دستوريتها.
ومن الطريف أن غلاة المسيحيين يبنون اعتقادهم بعدم صحة النظرية بما ورد في العهد القديم، اليهودي، إلا أن اليهود أنفسهم، وبشكل عام، ليس لهم موقف معارض من النظرية لعدم اعتقادهم بالمفهوم المسيحي للخطيئة.
أما موقف عموم المسلمين المعارض للنظرية، الذي جاء متأخرا كالعادة، فهو موقف مبدئي لتعارض ما جاءت به مع المفهوم العام لقصة الخلق، والذي لا يختلف كثيرا عما ورد في الكتب «السماوية» الأخرى، وبالتالي ليس هناك أي إيمان بما جاء فيها من أن المخلوقات جميعها كانت بداياتها من خلية واحدة، الأميبا، وأن هذه الخلية تكوّنت من الحساء العضوي نتيجة لتجمّع مجموعة من جزيئات البروتين وبينها بقية العناصر الأخرى، بحيث أدت عوامل بيئية ومناخية (حرارة، أمطار، رعد، صواعق) إلى تجميع هذه الجزيئات في خلية واحدة هي الأميبا!
وما زال الاختلافُ والصراعُ بين مؤيّدي النظرية ومعارضيها مستمرينِ.