تساؤل طالما تردد مراراً: من يحاسب نواب مجلس الأمة إذا ثبت تورط أحدهم بفساد سياسي ومالي؟ يبدو أن هذا التساؤل صار أكثر إلحاحاً وأهمية اليوم مع تزايد نماذج الفساد السياسي التي ظهرت لدى بعض النواب.
– فهناك من باع مقعده في سوق المزاد السياسي، فسؤاله بثمن واقتراحه بثمن وصراخه بثمن واستجوابه بثمن، فهو قد باع بلده وضميره وقسمه لهذا التاجر أو ذلك الشيخ أو لصاحب نفوذ، والثمن المقبوض له صور، فإما مبالغ نقدية أو تحويلات بنكية أو قسائم زراعية أو غيرها.
– هناك من صار نموذجاً للابتزاز السياسي والمالي الرخيص، فموقفه من أي موضوع أو مسألة يحددها ماذا يدفع له لشراء سكوته، أو ليحدد تصويته أو لغيابه عن الجلسة أو ليمارس تحريضاً أو تهويشاً محدداً لأي موضوع؟
– هناك من يشتري أصوات الناخبين برشوة غير مباشرة، فهل يعلم الناس أن بعض النواب يوزع نوبات تعيين سكرتاريته سنويا، ففي كل سنة يغير ١٢ سكرتيراً، ولديه جدول لمدة أربع سنوات حيث تكون حصيلة من يعينهم ٥١ سكرتيراً دون عمل وللتنفيع المزري بكل أسف، فلم يلق اعتبارا لحلال أو لحرام أو لضربه أحكام الدستور بعرض الحائط، ومثل ذلك من يحصل على موافقات للعلاج في الخارج، وسمعت أحد النواب يتفاخر أنه أرسل ١٠٠٠ شخص للعلاج، ويا لها من مسخرة وتكسب ورشوة سيئة يقوم بها بعض أعضاء مجلس الأمة.
– هناك من انتهك المادتين ٩١ و١١٥ من الدستور، فهو لم يحفظ قسمه ولم يبر به، أو تدخل بعمل السلطتين التنفيذية والقضائية انتهاكاً لأحكام المادة ١١٥، بل طالب بإرساء مناقصة عليه أو على وكيله كونه محامياً أو وكيلاً تجارياً له، وهو ما يعني سقوط عضوية مثل هؤلاء بمجرد ظهور حقائق تؤكد ذلك.
وللأسف، فإن مجلس الأمة غير جاد ولا يرغب في وقف مظاهر فساد بعض النواب التي تظهر للعيان نهاراً جهاراً، فهو.. وكذلك معظم أعضائه، يتستر بعضهم على بعض، ولا يحاسبون ولا يتخذون أي إجراءات رغم أن أعمال بعض النواب ترقى لوصفها بـ«الجرم المشهود»، والمجلس غير حريص على تفعيل أدوات مساءلة النواب ولا لإصلاح الخلل بوضع حد لذلك بإسقاط عضوية النواب المتورطين، أو وضع «نظام سلوك» الأعضاء ومحاسبتهم.
تبقى علينا محاسبة هؤلاء النواب شعبياً بفضحهم وملاحقتهم حتى لا يقتاتوا على حساب الأمة، والتبليغ عن فسادهم بشكوى لهيئة مكافحة الفساد التي يسمح قانونها بذلك، أو تقديم بلاغات للنيابة العامة، فيكفي البلد عبثاً أن يشهد فساد بعض نواب الأمة للحد الذي صار مزكماً للأنوف.