قلت في ندوة خلال الانتخابات التكميلية لمجلس الأمة التي جرت في الكويت قبل شهرين – أن ..«صدام حسين هو الذي منح المرأة الكويتية حق الترشيح والانتخابات»!! بالطبع فإن دكتاتور بغداد لم يقم بغزو جارته الصغيرة في 1990/8/2 لكي يمنح المرأة عندنا حقوقها السياسية بل القصد أن هذه الفعلة قد أدت إلى تدخل الولايات المتحدة عسكريًا لطرده منها، وبالتالي فإن «اليد الطولى» صارت لواشنطن التي تعرضت لانتقادات واسعة من كل مؤسساتها الدستورية والمدنية ملخصها: «كيف ترسلون أولادنا وبناتنا لتحرير بلد لايعترف بحقوق.. المرأة»؟! كان الضغط الأميركي على الحكومة الكويتية شديدا ومتكررا لايكل ولايمل منذ عام التحرير في 1991 حتى طفح الكيل بالرئيس «جورج بوش – الابن» عام 2004 ورفض استقبال مسؤول كويتي بارز في البيت الأبيض مشترطا الآتي: «لن تتم الزيارة حتى يأتيني بموافقة حكومته على منح المرأة حقها السياسي» بعض الذين انتقدوا ما قلت في الندوة حول «صدام حسين» قالوا بأن ..«الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد هو من منح هذا الحق للمرأة الكويتية» وهي جملة صحيحة فعليا لكن من حيث المنطق فإن ذلك يؤكد ما قلته ولاينفيه، إذ تسلم الأمير الراحل منصب رئاسة الوزراء عام 1965 وولاية العهد عام 1966 واستمر فيها حتى عام 1977 عندما توفي الأمير الأسبق الشيخ صباح السالم فصار جابر الأحمد أميرا على البلاد حتى وقوع الغزو في عام 1990، ثم جاء التحرير ومرت سنوات طويلة ومتثاقلة حتى أصدر المرسوم القاضي بمنح المرأة حقوقها عام 1999 وحين عرض علي البرلمان سقط بفارق صوتين، وكان أحدهما صوت المرحوم «جاسم الخرافي» رئيس البرلمان في ذلك الوقت، والذي يعتبر من المقربين من النظام زائد انه كان من أصحاب الفكر الليبرالي المنفتح، وشقيقته الدكتورة «فايزة» أصبحت أول مديرة لجامعة الكويت في بادرة هي الأولى من نوعها في دول الخليج والشرق الأوسط عامة، حتى أنها ذكرت خلال لقاء تلفزيوني منذ أيام – أن الحقيبة الوزارية عرضت عليها لكنها اعتذرت عن عدم قبولها، فكيف يتأتى أن يرفض قيادي بارز مثل الراحل جاسم الخرافي قرارا كهذا، ما لم يكن الأمر «مسرحية هزلية مكشوفة» من الحكومة حتى يقولوا للأميركيين: «انظروا.. لقد رضخنا لما تريدون وقدمنا مرسوم القانون للبرلمان لكن المرسوم.. سقط!! إنه رأي الشعب! إنها الديمقراطية»!! لم تنطل الحيلة على واشنطن وأصرت على أن المرأة الكويتية «يجب أن تدخل البرلمان».. واستمر الضغط!! بالطبع لم يقرأ الذين انتقدوا ما قلت في الندوة تاريخ المحاولات النيابية للقفز على هذا الحاجز الحضاري، ونسوا أن أول محاولة تمت كانت في مجلس عام 1971 من النائب «سالم المرزوق» حين تقدم بمشروع قانون يمنح «الأنثى» حقها السياسي!! سقط المشروع ولم يؤيده سوى 12 نائبا فقط من أصل 50 !! وكان ذلك في زمن ولاية عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد! في مجلس عام 1975 تقدم النائب جاسم القطامي وراشد الفرحان بنفس المشروع لكنه.. سقط! وكان ذلك في زمن ولاية عهد الأمير الراحل «جابر الأحمد»! في مجلس عام 1981 تقدم النائب «أحمد الطخيم» بالاقتراح ذاته.. ورفض! وكان ذلك في عهد إمارة الأمير الراحل جابر الأحمد! في مجلس عام 1986 تقدم النائب «عبدالرحمن الغنيم» بنفس الاقتراح.. فرفض! وكان ذلك في عهد إمارة الأمير الراحل جابر الأحمد في عام 1996 تقدم النواب «علي البغلي» و«عبدالمحسن الجمال» و«جاسم الصقر» و«عبدالله النيباري» و«صلاح خورشيد» بالمشروع ذاته .. فرفض! وكان ذلك في عهد إمارة الأمير الراحل جابر الأحمد! ثم صدر المرسوم الأميري بمنح المرأة عام 1999.. فرفضه البرلمان بفارق.. صوتين! بعد إصرار «جورج بوش – الابن» على تأجيل زيارة المسؤول الكويتي تداعت الحكومة لعقد جلسة طارئة ماراثونية« للبرلمان استخدمت فيها أسلحة «دمار شامل» – كما أخبرني أحد الوزراء – وحين سألته عن نوعها ضحك وقال: «شيكات البنك .. المركزي»!! واشنطن اقترحت على الحكومة «الشروط الواجب توفرها في النائبات القادمات» وهي ..«لا النائبة المتشددة أو المنقبة سواء كانت سنية أم شيعية» ، فقدمت الحكومة أسماء وصور أربع سيدات تم اختيارهن بعناية: اثنتان معتدلتان شيعيتان تحملان شهادة الدكتوراه واثنتان سنيتان معتدلتان تحملان الدكتوراه!! وافقت واشنطن ونجحت السيدات الأربع ودخلن.. البرلمان!! تكررت تجارب دخول النساء للمجلس بل تجاوز الأمر حدود المعقول «والذوق» وحتى مفهوم« السيادة» حين تدخلت السفيرة الأميركية السابقة في الكويت «ديبورا جونز» – وسفيرتهم حاليا في ليبيا – وأبلغت إحدى المرشحات – وقبل إجراء الانتخابات ب 18 يومًا- خلال اجتماع معها في مكتبها بالسفارة بأن .. مقعدها محجوز في مجلس الأمة« وباركت لها مقدما قبل الإعلان الرسمي لفوزها بأكثر من .. أسبوعين !! حين أعلن البرلمان موافقته على المرسوم في 2005/5/16 رحب «جورج بوش – الابن» بالقرار و.. تمت زيارة المسؤول الكويتي إلى واشنطن!.. وانتهت قصة الحق السياسي للمرأة في الكويت الذي دفنه الآباء المؤسسون في الدستور قبل نصف قرن وحفره وأخرجه صدام حسين وجورج بوش بعدهم .. بنصف قرن!! المرأة التي دفنها أهلها وأنقذها.. الغازي العراقي والمحرر الأميركي!!
***
آخر العمود:
يقول شكسبير: «ليس في العالم وسادة أنعم من حضن… الأم»!!