لو أن دولا أخرى أصابها ما أصاب دول الخليج من انخفاض دخلها خلال سنتين بمقدار 85%، لساد الهلع ولانهارت تلك الدول خلال أيام ولنا في الكارثة التي أصابت 6 من دول شرق آسيا (تايلند، اندونيسيا، كوريا الجنوبية، ماليزيا، هونغ كونغ والفلبين) عامي 97 – 98 خير مثال، فقد انهارت عملاتها بين ليلة وضحاها وأصبحت لا تساوي الورق الذي تطبع عليه، وأفلست شركاتها الكبرى وخلت أرفف المتاجر والأسواق المركزية من البضائع والمنتجات وتوقفت الطائرات ووسائل النقل الأخرى!
***
التسونامي الاقتصادي الذي أصاب دولنا الخليجية أقرب لعاصفة مزمجرة رمت بـ 6 أشخاص في بحر متلاطم الأمواج، السقوط تم في وقت واحد، إلا أن الخروج من البحر – أو حتى عدم الخروج – سيختلف من طرف الى آخر كل حسب قدراته، فالدولة التي استعدت لهذه العاصفة الهوجاء فنوعت مصادر دخلها، واهتمت بالشفافية ومحاربة الفساد، وقلصت البيروقراطية، واعتنت بالصحة والتعليم وجلبت السائحين والمستثمرين، ستخرج سريعا من اليم، وستتلوها الأقل استعدادا حتى نصل لمن لم يستغل سنوات الرخاء للاستعداد للسنوات العجاف فلا صناعة ولا منتجات زراعية ولا قطاع سياحي أو خدماتي، فهذا من يُخشى عليه بحق من الغرق، أي الإفلاس والفوضى ما لم يتدارك ذاته.
***
والملاحظ أن كل دولة خليجية تعد جرعة دواء مختلفة عن الاخرى لمعالجة نفس المرض وقد تقتضي الحكمة أن تصرف روشتة دواء واحدة أو متقاربة لكل الدول الخليجية من قبل الامانة العامة، ولهذا المقترح مزايا عديدة أولاها أنه سيصدر من كونسورتيوم أطباء (وزراء مالية) وليس من طبيب واحد (وزير مالية)، كما أنه سيسهل على الشعوب الخليجية تجرع الدواء المرّ كونه أمرا سيطبق على الجميع، فلا مجال للشكوى، ويدفع المجالس التشريعية للقبول به، كما أنه لن يترك دولة خليجية تغرق وحدها بسبب روشتة خاطئة وسيؤثر ذلك الغرق، لا سمح الله، في النهاية سياسيا واقتصاديا وأمنيا على بقية الدول الخليجية وإذا لم نستفد من العمل الخليجي المشترك في مثل هذه الظروف الصعبة فمتى نستفيد إذن؟
***
وقد استمعت قبل أيام وبهلع شديد لمستشار اقتصادي حكومي خليجي يسبق اسمه حرف الدال وهو يخفف من تأثير العجوزات الضخمة بالميزانيات الخليجية ويضيف أنه لا تأثير لها على سعر صرف العملات (كذا) وان الدولة التي يعمل لديها آمنة لأنها قررت التمسك بإنفاقها الاستثماري بل وزيادته وهو أمر جيد ـ حسب رأيه ـ كونه يمنح فرص عمل للآخرين وانه سعيد بأن الإصلاح الاقتصادي في تلك الدولة سينصب على تقليل وتقليص وترشيد البند الأول أي بند الأجور وهو ما يعني صحة بوصلتها الاقتصادية.
***
وكان تعقيبي على ذلك المحاضر هو أن ما قاله هو وصفة مضمونة للقلاقل السياسية والاضطرابات الأمنية التي تتبعها كالعادة انهيارات اقتصادية، فالإنفاق الاستثماري في بلداننا في الأغلب لا عائد ماليا له، بل على العكس هناك صرف متضخم على الإنشاء يتلوه صرف متضخم آخر على التشغيل والصيانة، والرابحون منه في العادة شركات أجنبية تأتي بعمالتها معها من الخارج إضافة الى قلة من المتنفذين لا يزيدون على أصابع اليدين، أما بند الأجور فهو احدى وسائل التوزيع العادل للثروة وإيصالها للآلاف والملايين من المواطنين وهم الملاك الحقيقيون للنفط ممن يعمل أكثر من 90% منهم في الوظائف الحكومية وهم من يصرفون كل أجورهم وأموالهم في الأسواق المحلية فيحركون الدورة الاقتصادية وينعشون أنشطة القطاع الخاص المختلفة.
***
آخر محطة:
(1) نرجو أن نسمع سريعا بالروشتة الخليجية الاقتصادية الواحدة التي هي أشبه بطوق نجاة لبعض من سقط في البحر الهائج من المترهلين، فالانتظار والاعتقاد أن العاصفة ستمر سريعا لا حكمة فيه.
(2) هناك حقيقة علمية تثبت بشكل قاطع أن التشاور لحل مشكلة ما خير ألف مرة من الحل الفردي لها.