اشتهر القرن الماضي ومنذ بداياته بأنه قرن الفرص الضائعة على العرب، حيث كان بالإمكان لو استخدمت مبادئ العقل والحكمة والمنطق وفقه الحقائق والواقع بدلا من الانفعال والغضب والتشدد غير المجدي، حل الإشكال على أرض فلسطين على مبادئ ألا يموت الراعي ولا تفنى الغنم، ولتحول اليهود ودولتهم المتقدمة من موقف معاد لوحدة الأمة العربية وتطورها إلى داعم أول لتلك الوحدة، ولأصبحوا بنفوذهم وتقدمهم القاطرة التي تسحب دولنا من غياهب الجهل والتشرذم والهزائم والتفتت إلى عصور التقدم والنور والثراء والانتصار فنربح ويربحون!
***
وتظهر الأرقام أن 80% من شعوب الأرض ومن ضمنها الأغلبية المطلقة من الدول الغربية والشرقية المتقدمة، تُحكم بالنظام الفيدرالي الذي يعطي بعض الاستقلالية للولايات المختلفة ضمن الدولة الاتحادية، لذا فالفيدرالية كمبدأ ليست خيارا سيئا كما يصوره لنا البعض إما بانفعال وجهل شديدين أو بتآمر أشد، حيث يستهدف رفض الفيدرالية كحل واقعي لإشكالات بعض دولنا كالعراق وسورية وليبيا وحتى اليمن، الدفع بشكل خفي لانفصال من لم يعودوا يتحملون ظلم بعض العواصم العربية التي حُكمت بالثوريات القمعية المدمرة.
***
وإن صلحت الفيدرالية مرة للدول الأخرى فهي تصلح ألف مرة لإشكالات بعض دولنا العربية بعد أن فاض حساب النحر والقتل والإبادة بين مكونات الأديان والأعراق والطوائف والمناطق فيها، ولم يعد مقبولا أن يتم إرغام أقليات على أن تبقى ضمن مشروع دولة عربية اندماجية ظالمة وبات الخيار الحقيقي هو بين إما الفيدرالية وهو خيار الواقع والمصلحة والعقل، أو الحلم بالبقاء ضمن عربة الدولة الاندماجية في قطار متجه بأكمله لهاوية الانفصال المعمّد بالدمار والحروب الأهلية التي لن تنتهي أبدا بدعم ورعاية قوى دولية وإقليمية تبطن ما لا تظهر ولا قبل لنا برد مشروعها المدمر إلا باستخدام الحكمة والعقل والذكاء كنوع من التغيير… والفيدرالية!
***
آخر محطة:
(1) نرجو ألا يفرح أحد بالهدنة السورية الحالية ويعتقد أنها أولى خطوات انتهاء الإشكال السوري، فالهدنة ستسقط سريعا ويعود القتال الضاري حتى لا يبقى في كثير من المحافظات السورية حجر فوق حجر، فذلك ضمن مشروع تفتيت سورية كي يهنأ النظام الحاكم بمناطقه الآمنة العامرة، وتنشغل باقي المحافظات السورية غير المفضلة لسنوات طوال قادمة باقتصاد مدمر وبيوت وبنى أساسية تحتاج لأن تعمر، ولا شك أن الخيار الفيدرالي في سورية سيجعل النظام ومحافظاته المفضلة شركاء في تعمير ما دمر وما سيدمر وهو دافع لربما وحيد له لوقف الحرب والدمار الذي يستمتع به.
(2) يروي أكبر مؤرخ روسي هذه الأيام على قناة روسيا اليوم حكاية حاجة القياصرة الروس المتعاقبين ومنذ عدة قرون لموانئ على سواحل المياه الدافئة والتي تحققت أخيرا في عهد القيصر بوتين ولن تقبل روسيا الاتحادية قط بدولة سورية اندماجية يحكمها نظام معاد لها يأتي بالانتخاب وتحرمها من ذلك الحلم الذي تحقق، لذا ستفضل استمرار الحرب حتى انفصال اللاذقية وطرطوس في دولة علوية مستقلة وقد يكون خيار الفيدرالية الذي يعطي بعض الاستقلالية لمحافظة جبل العلويين والساحل في إبقاء تلك الموانئ صديقة للروس هو الحل الواقعي والمنطقي للدفع بالقيصر شديد الذكاء بوتين لقبول السلام في سورية وإزاحة الأسد عن طريق الصناديق الانتخابية[email protected]