زرت العديد من البلاد، شرقا وغربا، في زيارات كانت تحمل في طياتها معاناة في المطارات والدور وحمل الحقائب وتأخر المواعيد، مع شيء من حالات انخفاض أو ارتفاع السكر والضغط، ولا شك انها رحلات لا تخلو من المتعة واستكشاف ثقافات الشعوب والبلدان.
وفي كل بلد نزوره ترسخ في أذهانا ذكريات عديدة، جميلة أحيانا، وبائسة أخرى، مع التعرف على بعض الشخصيات المتميزة والمدهشة أحيانا.
وفي زيارة لبلد عجيب تنتشر فيه البوذية والهندوسية وقلة قليلة مسلمة، ارتبطت حدوده الكبيرة مع الهند، والتي أثرت في ثقافة الشعب الذي يعيش على هذه الحدود في لباسه وطعامه وعاداته بل وأديانهم، إذ إن غالب سكان هذه الحدود من المسلمين، تعيش معهم طوائف قليلة من الهندوس والبوذيين، باختصار يا سادة هي (النيبال) بلد العجائب، التي نزلت فيها على جامعة سراج العلوم على الحدود الهندية، وهي جامعة تبلغ من العمر ما يزيد على قرن من الزمان، مازالت تحتفظ بمبانيها الأثرية ذات الحضارة الإسلامية، لن أتحدث كثيرا عن هذه الجامعة وعجائبها وما فيها من مظاهر تثلج صدر المؤمن، لأني لن أوفيها حقها.
لفت انتباهي هناك خيرات أهل الكويت والسعودية، من مدارس ومراكز وجامعات ومشافٍ، ومنها مركز عملاق لأحد الإخوة الكويتيين من عائلة العون الكريمة أثابه الله.
وفي الدورة التي كنت أقدمها لبعض الدعاة، وشرحت فيها كتابا للشيخ العثيمين- رحمه الله، لفت انتباهي بشدة شيخ كبير في السن، قد تجاوز الخامسة والسبعين من عمره، وجاء من مكان بعيد جدا وبمشقة، وكنت أشعر بشيء من الحرج أن يكون مثلي يدرس مثله.
وفي أكثر من مرة كان الشيخ شميم الندوي- حفظه الله- يحدثني بشغف عن داعية نيبالي نشيط جدا في الدعوة إلى التوحيد واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ومجاهد بلسانه لكل مظاهر الانحراف عن الدين، وأنه صاحب لسان يأخذ بالألباب، ربما تحدث لساعات طوال بهمة ونشاط، ولا يشعر الحضور بالسآمة والملل معه، وكان الذين يحضرون له بالآلاف، وكانوا يجدون معاناة مع ضيق المكان إذا علم الناس بمحاضرة أو درس للشيخ، والذي كان مشتهرا بلقب (عندليب النيبال).
قدر الله أن أتأخر عن محاضرة لي في مسجد الجامعة، بسبب بعد المكان الذي زرناه قبلها.
فلما حضرت وإذا بهذا الشيخ الذي يحضر الدورة يلقي كلمة بحماس كبير والناس كأن على رؤوسهم الطير، فلما جلست قال لي الشيخ شميم: هذا هو العندليب.
رغم أنني لا أفهم اللغة النيبالية إلا أنني استمتعت ببعض الكلمات التي كان يرددها مثل (توحيد، سنة، دليل، صحابة كرام..).
كان العندليب مفرغا للدعوة في النيبال من قبل بعض الجمعيات الخيرية جزاهم الله خيرا، ثم تكفلت إحدى الأخوات بتفريغه براتب جيد يساعده على التنقل بين القرى والمدن للدعوة.
وفي يوم الثلاثاء الماضي وصلتني رسالة تقول:
توفي الشيخ عبدالرحيم أمجد النيبالي المعروف بعندليب النيبال عن عمر ناهز الثمانين، قضاها رحمه الله في الدعوة إلى التوحيد والسنة.
فرحمك الله برحمته الواسعة أيها العندليب الأسمر كم أمتعتنا بصوتك.