ربما لم يبد اهتمام الجمهور العربي العام بالإعلام السياسي والوعي به مثلما يحدث ويتبلور الآن. لذا تظهر اهتمامات “العامة” بالإعلام التعبوي كصيغة مرادفة للإعلام السياسي. والإعلام السياسي يهتم في مضمونه بأحداث التأثير في الآراء والأفكار والقناعات، كما يسهم في عملية صنع القرار السياسي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية على المستوين المحلي والدولي، لا سيما في حالة الحرب والأزمات. توفر الأحداث والأزمات السياسية بيئة مؤثرة لتفاعل الجماهير مع الأحداث والأزمات والحروب، من خلال متابعة الأخبار والتحليلات والتفاعل معها. وقد يميل البسطاء إلى اللغة العاطفية المقولبة التي تشعل الحماسة ومهاجمة الخصم وشتمه وتحويله إلى مسخ. وهذا إما يؤدي إلى تحطيم الهالة أو تعزيزها، يعتمد على الضبط والتوازن السيكولوجي للكواليس وإتقانها خيوط اللعبة الإعلامية في مواجهة الخصوم. وإن كانت هذه الآلية تترك أثرها لدى المجتمعات بشرائحها المختلفة، فإن التأثير العميق يأخذ مداه حين يخاطب العقول الأكثر تركيبية، تلك التي تميل إلى التأثر من خلال الحقائق أو صياغتها لأنها لا تخاطب الرأي الموحد المتفق معنا الذي ربما لا يكون هدفنا الأول وإلا لأصبحنا ندور حول أنفسنا، بل تخاطب وتستهدف الرأي المخالف والأطراف الأخرى لإحداث التأثير فيها أيضا. لا نستطيع بطبيعة الحال استدراج الرأي المخالف للاستماع لحقيقة مغايرة إن قدمناها على طبق الهجوم البسيط، بل بصيغة استعراض الحقائق والثقة في إبرازها، أخذا في الاعتبار أن للحقائق وجوها عدة مقلقة.
ولربما أبرز ما في الإعلام السياسي وقت الحروب والأزمات هو: الإعلام التعبوي، و”البروباغاندا” السياسية. وعادة ما تسعى “البروباغاندا” السياسية إلى تغيير المواقف والاتجاهات والتأثير فيها على نحو يتفق مع مصالح الخط السياسي والفكري المطلوب ومن ثم تحقيق الأهداف. و”البروباغاندا” السياسية تعتمد على العواطف والتشويش للمنطق من خلال التلاعب بالحقائق وإخضاعها. وتهدف “البروباغاندا” إلى التحكم العميق بالإدراك ومن ثم الأحكام والتقييم. الاتصال السياسي كما الإعلام السياسي عملية سيكولوجية منظمة وغير عشوائية، تقوم بدراسة الجماهير وتقديم الرسائل المؤثرة لها. هذه الرسائل تلازمها مؤثرات سمعية وبصرية، وكل ما يجعل من تقبل السياسات أو حتى رفضها أمرا ممكنا. التلقين الإعلامي والسياسي قد يكون تلقينا مباشرا يستهدف فئة من الجماهير، وتقديما آخر يسعى إلى تحريك الفهم والإقناع وهو يستهدف فئة أخرى من الجماهير تعتمد على التحكيم والنخبوية. وفي كل الأحوال، يبقى الهدف هو صنع الرأي العام المحلي والدولي، والتأثير في مساره.
وفي فترة الحروب والأزمات أيضا، لا يمكن بأي حال إغفال التأثير الكبير الذي يمكن أن يتركه الإعلام التعبوي في الجماهير. وأبرز مثال على تعبئة الأزمات هي التعبئة الإعلامية التي لازمت المشروع النووي، حين كان الهدف المعلن إعلاميا إذابة الخلافات أمام مصلحة الأمن القومي الأمريكي والدولي. أما الحروب وأزماتها، فهناك جمهور محلي وجمهور دولي. وقد يعتمد على رسائل مؤثرة وعميقة مثل الوطن والحرية والكرامة والعقيدة والقومية. ولا شك أن للإعلام المرئي الأهمية الأولى في التأثير. هناك تعبئة تتعلق بالبيئة الصغيرة المحلية وهناك تعبئة تتعلق بالشرائح كالطائفية والقومية والدينية أو الإنسانية بلغة أعم وأشمل. إن كانت محلية أو ضيقة النطاق، فخاصية التعبئة هي في التأثير الأسرع والتوحيد نحو أهداف معينة. إلا أننا لا نستطيع أن نغفل مخلفات التعبئة التي لا تزول بزوال الأثر. حالة الحرب مؤقتة تنتهي غالبا بتسويات سياسية. إلا أن شحذ النفوس على أسس قومية وعرقية وطائفية يوجد رؤى عميقة تأخذ أبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. في كل الأحوال، لن يجدي أن تكون المؤسسات الإعلامية رسولا فحسب في فترة التحولات، بل شريكا أيضا في الحدث، وفي العملية السياسية، بما يجعل منها غرفة عمليات مهمة.