في مجلس 2009 نجحت المعارضة السياسية في الإطاحة بالحكومة والمجلس معاً، بعد اتهام رئيس الحكومة باستعمال المال السياسي في ترويض بعض النواب! وفي ضوء ذلك جاءت نتائج انتخابات مجلس فبراير 2012 انعكاساً لحالة الرضا الشعبي عن أداء المعارضة السياسية والقوى الوطنية في مواجهة الفساد الحكومي، الا ان الرفض المدفون في النفوس لدستور 62 أدى لحل مجلس الامة وتغيير آلية التصويت والتي فرغت مفهوم «حكم الأغلبية» من محتواه، فجاء مجلس الأقليات، بعد أن رفضت أغلبية الشعب المشاركة فيه! وصدق حدس المعارضة التي قالت إن نتائج هذا النوع من المجالس لا تحقق الممارسة السليمة للديموقراطية، فكان المجلس مادة للتندر بين الناس! وأصبح عالة على الحكومة التي تسببت في وجوده، فتم حله وفوجئ الناس بحكم المحكمة الدستورية بمشروعية مرسوم الصوت الواحد، وتمت الدعوة لانتخابات جديدة في 2013، إلا أن المعارضة السياسية قررت عدم المشاركة فيها، لكن هذه المرة ليس لعدم دستورية المشاركة، بل لعدم جدواها! فجاء المجلس الجديد على شاكلة سابقه، واستمر بأداء باهت لدرجة أن مقاعد الجمهور كانت خالية عند استجواب رئيس الحكومة! وكنا نتوقع أن تحسين قراءة المشهد واستعادة روح المجلس ونشاطه من خلال العودة لآلية تصويت تنصف الأغلبية، إلا أن التناغم غير المسبوق بين السلطتين شجع الحكومة على الاستمرار في نهجها، ظناً منها أن هذا هو مفتاح الخير للبلاد والعباد! لكن استمرار المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل وتفاقمها، إضافة الى تعطل التنمية وزيادة البطالة وتعقد الاوضاع الامنية وهبوط اسعار النفط وانتشار ظاهرة التنفيع على حساب المال العام في توزيع المناقصات والمزارع والاراضي، كل ذلك كشف للناس ان الحكومة وحدها تتحمل كل مشاكل البلد، خصوصا في وجود برلمان كل هم معظم أعضائه تسفير من يستحق ومن لايستحق للعلاج في الخارج!
إذاً غياب المعارضة عن المشهد كشف مكمن العلة، ورد على من كان يدعي ان وجود مشاكسة في المجلس يعطل الانجازات، وبالتالي تعطل التنمية! ها هي المشاكسة مفقودة اللهم إلا من استجوابات مفرغة من محتواها، ولذر الرماد في العيون، وها هي المشاريع التي تُقر كل يوم (على قفا من يشيل)! إلا أن التنمية لا تزال معطلة، لأن انتشار الفساد كان أكبر وأسرع!
اليوم البعض يحمّل المعارضة مسؤولية ما وصلنا إليه من تردي الأوضاع وتفاقم الفساد والتراجع عن الحريات، بسبب غيابها عن المشهد السياسي، فلو كان هناك رأي حر تحت قبة البرلمان لما تجرأت الحكومة باستعمال القبضة الأمنية في معالجة مشاكلها على حساب كرامة الناس وحقوقهم، ولما تم سحب جنسية بعض المعارضين تأديباً لهم وتخويفاً للآخرين، البعض الآخر يعتقد أن المعارضة خسرت شعبياً بسبب أدائها في الفترة الأخيرة وعدم قدرتها على مجاراة الأحداث السياسية وغيابها عن الشارع السياسي ويوحي بأن الحكومة كسبت بالمقابل ويدلل على الحضور الشعبي الكبير لافتتاح استاد جابر!
آراء نحترمها، ولكن لولا غياب المعارضة لما اكتشفنا نوايا الآخرين تجاه الدستور، ولما أدركنا حجم العنصرية والفئوية في مجتمعنا الصغير ولولاها لما اكتشفنا عاهات كانت موجودة بيننا، فظهرت للسطح تتحدث باسم العامة!
اليوم، الناس عرفوا وتحققوا من المتسبب طوال هذه السنين بأزمات البلد ولا ينكر تجاهل الناس للمجلس ونوابه الا مكابر!