لا يمكن لعاقل إلا رفض وشجب تصريحات مرشح الرئاسة الأميركية، دونالد ترمب، المتعلقة بنيته منع المسلمين دخول أميركا، «إن» فاز بالرئاسة الأميركية القادمة. فالاقتراح أخرق وعنصري بامتياز، وصعب التطبيق أصلا، فليس من السهل أصلا تحديد من هو المسلم، فغالبية دول العالم لا تذكر الديانة في وثائق السفر.
ما يهمنا هنا ليس التصريح بحد ذاته، الذي لقي ما يستحق من شجب، ومن كل دول العالم تقريبا، بل مضمونه وأسباب صدوره عن شخصية ليست غبية، وتعرف ما تقول، وثقته بأن موقفه سيجد ترحيبا من داخل وطنه وخارجه، من يمينيين ومتطرفين، أو ممن اكتووا، وما أكثرهم، بنيران قضايانا ومشاكلنا، وما أكثرها.
وعليه يجب أن نعطي تصريح ترامب، المفاجئ، ما يستحق من أهمية. فالرجل ملياردير، وفرصته في الفوز بترشيح الجمهوريين لا تزال كبيرة، وبالتالي يجب التساؤل: لماذا قال ما قاله؟ هل لأنه يكره المسلمين، لأنهم مسلمون، أم أنه، وغيره من ساسة الدول الكبرى قد ضاقوا ذرعا بكل هذا الكم من الرعب والقلق والفوضى التي خلقها بعض المسلمين، بشكل عام، في كل دول العالم واجهزتها الأمنية، وفي مراكز الحدود البرية والبحرية، وفي عشرات آلاف المطارات، بحيث أصبح اسم المسلم مرادفا للإرهاب؟
مطالبة ترامب، بالرغم من سخافتها، يجب ان تشكل جرس إنذار لكل الدول الإسلامية. فقد تأذى العالم من تصرفات بعض ابنائهم، إن نتيجة سوء التدريس والتربية، وليس فقط غض نظرهم عن انشطة الأحزاب الدينية المتطرفة لديهم، بل وفي أحيان كثيرة رعاية تلك الأحزاب، وحتى تسليمها مفاصل حكومية مهمة، مع علم تلك الدول الإسلامية بما تضمره تلك الأحزاب من رغبة في فرض أجندتها الدينية، حتى لو أدى ذلك لحرق العالم من حولها، فالنصوص الدينية، حسب تفسيرها، تسمح لها بذلك.
انظروا وتساءلوا معي: ماذا استفاد المسلمون من وجود كل هذا الكم الهائل، والمخيف، من آلاف المعاهد والمدارس الدينية التي عملت دون رقابة ولا إشراف لخمسة عقود ماضية؟ لا شيء. وماذا كان الدور الحقيقي لأكثر من مليوني رجل دين يعملون في الدول الإسلامية في تقدمها واستقرار أوضاعها؟
وبهذه المناسبة.. كان لافتا موقف مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك»، الذي سبق أن ذكرنا خطأ في مقال الخميس أنه تبرع بريع %99 من اسهمه في مايكروسوفت، والصحيح اسهمه في «فيسبوك». فقد أرسل مارك رسالة لمئات ملايين المسلمين من مستخدمي فيسبوك، بعد تصريحات ترامب، قال فيها إنه يضم صوته الى الأصوات الداعمة للمسلمين في مجتمعه وفي العالم كله، بعد هجمات باريس ورسائل الكراهية التي خرجت هذا الأسبوع. وقال بالحرف: «باعتباري يهوديا، علمتني عائلتي ضرورة الوقوف ضد الهجمات التي تطول أي فئة في المجتمع. وأن هذه الهجمات لا تستهدفنا اليوم، لكن مع مرور الوقت سيتضرر الجميع منها بسبب الاعتداء على الحريات. وإذا كنت مسلماً، فأعلم أنني أرحب بك هنا بصفتي المسؤول عن فيسبوك، وتأكد أننا سنقاتل دفاعاً عن حقوقك لخلق بيئة آمنة ومسالمة لك»!
والآن، ألسنا أحوج ما نكون الى أن نقتدي بهذا الرجل ونتعلم منه شيئاً من التسامح، بعيداً عن كل هذا الجنون الذي يصر بعضنا على العيش فيه؟