التفكير والتنظير الفرائض الغائبة!

في أوائل التسعينيات التقيت في الكويت بالكاتب والمفكر الأميركي الشهير توماس فريدمان وكان عائدا بصحبة وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبريت من الصين التي لم تكن نهضتها الصناعية قد بدأت بعد، ومما سمعته منه أن الشيوعية الستالينية قد فشلت بالصين، إلا أن الخروج منها والتحول السريع للاقتصاد الحر كما حدث في روسيا وشرق أوروبا بعد الربيع الأوروبي أواخر الثمانينيات يعني سقوط 400 مليون صيني حسب قوله دون شبكة حماية، وهو ما يهدد استقرار العالم، ضاربا المثل بالسكة الحديد الصينية التي توظف 11 مليونا، بينما لا تزيد حاجتها الفعلية على 2 مليون عامل.
***

بعدها بسنوات قليلة زرت الصين وقرأت بصحيفة «الصين اليومية» الانجليزية تصريحا لوزيرة التعليم تعلن فيه نجاحها في إنهاء المرحلة السادسة من نقل التقنيات الحديثة الى 900 مليون من المزارعين الصينيين بالمناطق النائية كبداية لتحويلهم من الزراعة البدائية الى الصناعة المتقدمة، وقامت الولايات المتحدة بفتح الأسواق الأميركية والأوروبية لهم، وواضح أن الولايات المتحدة قد استمعت الى مخاوف فريدمان وتعاملت إيجابا معها ولم يعد هناك 400 مليون صيني سيستيقظون دون عمل فيهزون استقرار العالم، كما ذكر ذات مرة نابليون، بل بات هناك مئات الملايين من الصينيين يعملون ويسعدون العالم بجودة واتقان صناعاتهم!

***

إحدى الإشكاليات الكبرى في أوطاننا العربية أنها لا تستمع قط لمفكريها ومثقفيها ومنظريها، بل تقمعهم وتبعدهم وتزدريهم، وندر أن تجد مثقفا أو مفكرا معروفا قريبا من السلطة أو ضمن البطانة التي إن صلحت صلحت الأوطان، وإن فسدت تدمرت الأمم وتخلفت، وقد يكون الاستثناء الوحيد هو بعض دول الخليج التي أنجزت وسابقت العصر في أعمالها نظرا لدعمها واستماعها للمفكرين والمبدعين والمنظرين والمثقفين من المواطنين والعرب والأجانب لا فرق، فالمهم هو القدرة على العطاء والإبداع والإنجاز.

***

آخر محطة: سنوات الإنجاز في عهد الرئيس مبارك تمت عندما كان أقرب مقربيه شخصيات مفكرة منظرة مثقفة أمثال د.أسامة الباز ود.مصطفى الفقي، وقد تخلفت مصر وحنق الناس وسقط النظام عندما استبدل الرئيس مبارك هؤلاء بشخصيات مستفيدة تأخذ منه ولا تعطيه، لم يعرف عنها التفكير والتنظير أمثال أحمد عز وصفوت الشريف وحبيب العادلي ومن لف لفهم!