في ديسمبر عام 1988، كتبت مقالا أشعل كل «اللمبات الحمر» لدى الحكومة، فكان هو المقال الأخير ذهبت بعده إلى البيت لأتقاعد مبكرًا!! وعلى رأي العندليب الراحل «عبدالحليم حافظ» في رائعة «نزار قباني» التي تحمل عنوان «قارئة الفنجان» حين يقول: … «بصرت ونجمت كثيرًا»، فقد «بصرت» أنا أيضًا و«نجمت» كثيرا في «حالي ومحتالي وقلمي وقرطاسي» فأيقنت بأن الصحافة في العالم العربي مثل «دس الأصابع في شقوق الأفاعي» وقررت بعدها أن أبتعد عن لدغاتها وسمومها واخترت أن أكون «متعهد أعمال فنية» كيف و«شلون»؟ هذا ما سوف نرويه اليوم، وهو حكاية طريفة، وكانت مهنة عمرها أقصر من عمر الزهور!! أقنعت نفسي بأن «الفن لا يضر ولا يؤلم» مثل الصحافة والكتابة، فأجريت اتصالات ومكالمات وسألت أصدقاء وخبراء بعد أن سمعت أن على مسارح القاهرة تعرض مسرحية ناجحة من بطولة الكوميديان الراحل «فؤاد المهندس» ومعه الجميلة «شريهان» اسمها.. «علشان خاطر.. عيونك»، فقررت التوكل على الله ودعوة المسرحية بأبطالها من أجل ثلاثة أو أربعة أيام عروض على أحد مسارح الكويت! وهكذا.. كان!! وصلت المسرحية إلى البلاد بعد أسابيع من المراسلات والتعهدات مع وزارة الإعلام الكويتية، وبكامل طاقمها وعلى رأسهم الفنان الكبير «المهندس» وحبة الكرز اللذيذة.. «شريهان»! من شروط إدارة الرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الإعلام أن تتم إقامة عرض خاص في اليوم الاول للرقباء فقط، حتى يعتمدوا كل المشاهد فيها ويتأكدوا أن الرقصات أو الحوار أو الملابس ليس به ما يخل «بالعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة والمتجذرة عبر الزمن والتاريخ»!! في الموعد المحدد في تمام الساعة التاسعة مساء حضر ثلاثة رقباء وأنا ومخرج المسرحية وضابط شرطة لا أعرف لماذا أرسلته المحافظة التى كان المسرح يقع ضمن دائرتها الجغرافية.. فقط لا غير! وابتدأ العرض!! أنتم – بالطبع – تعرفون شيريهان وحلاوة رقصها وجمال استعراضها، والمسرحية ثلاثة أرباعها رقص واستعراض لهذه الفتاة الجميلة و«الدلوعة» والرشيقة، وحدث في أحد المشاهد أن دارت شيريهان دورة كاملة سريعة أثناء رقصها فارتفع فستانها عاليًا، فرأيت.. كارثه مقبلة على مشروعي المهني الجديد!! صرخ الرقباء الثلاثة بصوت واحد وقالوا: «ستوب»، معترضين على كون الملابس التي ترتديها شيريهان – تحت الفستان تكشف أكثر مما تستر!! حاولت «ترقيع السالفة» والحفاظ على مستقبلي الفني، فأخذت هؤلاء الرقباء «على جنب» لإقناعهم بـ «تفويت المشهد»، لأنه «لقطة سريعة» ولن ينتبه لها الجمهور وسنخفف إضاءة المسرح حينها حتي لا يرى أحد «الكارثة» و.. و.. ! لكن بلا فائدة! كانت أدمغتهم أكثر صلابة من الرخام، وأشد قسوة من صيف الكويت!! إذن! ما الحل.. يا جماعة؟! قالوا: «الحل هو أن ترتدي شيريهان (شورت) إلى الركبة تحت الفستان »حتي نعطي موافقة الوزارة على… العرض! استأذنتهم لنصف ساعة فقط للخروج والبحث عن شورت من أي محل قريب، إذ إن مسألة تأجيل العرض الي الغد يعني زيادة مصاريف إقامة كل طاقم المسرحية وعددهم أكثر من 50 شخصًا، وبالتالي، زيادة يوم عرض، وتغيير في موعد المغادرة.. الخ.. الخ! كانت الساعة العاشرة مساء، وتسعة أعشار المحلات التجارية في تلك المنطقة التي يقع فيها المسرح باتت مغلقة، فصرت أقود سيارتي من شارع إلى شارع، ومن سكة إلى سكة ولسان حالي يقول: «هذه آخرتك يا فؤاد الهاشم وآخرة مقالاتك أم لسان طويل، قاعد تدور شورت تشتريه.. لشريهان»!! يبدو أن حظي مع «شورتات الحريم» كان أفضل بكثير من حظي مع «الصحافة»، فقد عثرت على محل صغير فيه «بائع يمني» ووجدت عنده مبتغاي، ولا تسألوني كيف عرفت مقاس «وسط شريهان»، لأن ذلك أمر يعرفه الملايين من المشاهدين العرب لهذه الفنانة الجميلة!! المهم، عدت إلى المسرح، أعطيت شيريهان «شورتها» فارتدته فرقصت فأبدعت «فاستانس» الرقباء ووافقوا على كل المشاهد وعرضت المسرحية لثلاث ليال كاملة، وكلما جاء مشهدها الراقص وارتفع فستانها عاليا وظهر «شورتها الذي اشتريته لها» في ليلة لم يظهر فيها قمر، كررت لنفسي المقولة ذاتها «هذي آخرتك وآخرة مقالاتك العنيفة.. يا فؤاد»!! انتهت العروض وسافر «المهندس وشريهان» وكل الفرقة، فانتهت معهم «حياتي الفنية» إلى الأبد بعد أن اكتشفت ان «لسعة القلم حين يشطح» أرحم بكثير من.. «رفعة الفستان حين.. يلفح»!!
***
اخر العمود:
يستطيعون إبادة «داعش» وآلياته وأسلحته وعناصره خلال ساعات – أو لنقل أيام – لكن الأفكار الداعشية التي انتشرت في رؤوس ملايين الشباب العربي والمسلم ستبقى تتوالد داخل مجتمعاتهم لعقود وعقود!!
***
آخر كلمة:
يقول الشاعر:
تبسم الثغر عن أوصافكم فغدا / من طيب ذكركم نشرا فأحيانا / فمن هناك عشقناكم ولم نركم / والأذن تعشق قبل العين.. أحيانا!!
***
وآخر كلمة.. أيضًا:
قال الشاعر: شهدت بأن الخبز باللحم طيب / وإن الحبارى خالة.. الكروان!! من كتاب «مجمع الأمثال» للإمام أبو الفضل الميداني – الجزء الأول.