علم الطيران من العلوم الحديثة، حيث يقارب عمره المائة عام، لذا فهو من العلوم الإنسانية المتقدمة جدا في أفكارها ومنطلقاتها عند مقارنتها بالعلوم الإنسانية الأخرى التي عرفتها البشرية وتأسست قواعدها منذ آلاف السنين كالطب والهندسة والتشريع وعلوم السياسة.
***
في علوم الطيران يتعلم المرء أمرين، الأول افتراض السيناريو الأسوأ للأحداث كي يسلم ولا يؤخذ على حين غرة، والثاني الواقعية الشديدة بدل التنظير عند النظر للأمور، لدى تطبيق تلك القواعد الحديثة على أحداث المنطقة السياسية نجد من الأفضل الأخذ بمعطى السيناريو الأسوأ وافتراض أن العراق وسورية وليبيا ولربما اليمن ذاهبة للتقسيم العنيف لا محالة، أي عبر الحروب وأعمال العنف، وان لبنان وفلسطين ذاهبتان للنهاية نفسها عبر الانسدادات السياسية التي يمكن لها أن تتحول لاحقا للصراعات المسلحة التي تنتهي بالتقسيم.
***
إن التفكير الواقعي لا الحالم يفترض بنا أن نأخذ بفرضية خيار التقسيم والتشطير على أنه قادم لا محالة وأن نعمل منذ الآن على تخفيف ضرره فخير للعراق ومثله سورية وليبيا… إلخ أن تنشطر مؤقتا بأقل كم من الدماء والدمار والأحقاد انتظارا لظروف مستقبلية أفضل لخلق وحدات كونفيدرالية أو فيدرالية متطورة تعطي حريات وخصوصيات للأقاليم والطوائف والأعراق، على أن تنقسم تلك البلدان بعد دمار وخراب ودماء ساخنة تستصرخ الثأر عبر العقود والقرون القادمة!
***
آخر محطة: جميع الميليشيات المتقاتلة في الدول العربية المختلفة تعمل – دون استثناء – وعبر توزيع الأدوار لتقسيم بلدانها وليس لها هدف آخر على الإطلاق دون ذلك مهما رفعت من شعارات زائفة تدور حول الوطنية والعدالة والدين… إلخ، ولهذا السبب نجد أن لديها موارد لا تنضب من المال والسلاح والقيادات العسكرية والمخابراتية عالية التدريب والتنظيم!