تعيش السياسة الخارجية لحكومة الكويت أصعب أيامها وأكثرها إحراجاً! فهي تدرك انها تقع بين فكين مفترسين، وكلاهما يتحين الفرصة للانقضاض على هذه الوجبة الدسمة التي تسمى الكويت، لذلك نجدها تسلك سياسة مراعاة الخواطر مع هذين النظامين رغم الأذى المتواصل منهما والضرر الذي وصل في بعض المرات الى تهديد أمن البلد واستقراره! ولعل كم الأسلحة الذي تم اكتشافه أخيراً في إحدى المزارع مثال واضح على حجم المكائد التي تُدبر.
ومع السياسة العدائية الصارخة التي يتعاملان فيها مع الكويت، فإن الحكومة حرصت على عدم استثارة الجارة التي لم تقدر جيرتنا ولم تحترم مواثيقها معنا! لذلك شاهدنا كيف تعاملت مع هذا المشهد من تبسيط وتسطيح لأركان الجريمة حتى صرنا لا نستبعد ان تتحول قضية المحاولة لزعزعة النظام والأمن الى قضية حيازة سلاح من دون ترخيص! كل ذلك من أجل ألا نُغضب هاتين الجارتين! وقد نجد تبريراً لهذه السياسة لو كان الجار غير هذين النظامين المتحالفين، لكن معرفتنا بطبيعتهما وخلفية الشعوب العدائية تجعلنا نشك في جدوى هذا المسلك الانبطاحي.
في المقابل نجد ان هذه السياسة معهما أزعجت الاخوة الاشقاء في الرياض التي تعيش لحظات عسيرة في علاقتها مع جار ما وراء البحر! ولعلنا نذكر موقف الكويت المتردد من المشاركة في قوات درع الجزيرة المتجهة للبحرين لحفظ الأمن هناك، مما أغضب الأشقاء في مجلس التعاون، ولكنهم قدروا الظرف الذي تعيشه الكويت مع جاريها (!!) ثم جاءت عاصفة الحزم لتزيد من أوجاع حكومة الكويت والتي لم تتردد في المشاركة بقوات رمزية لانها تقاتل الحوثيين اليمنيين، لكنها تدرك انها تقاتل إرادة الجيرانين في اليمن، لكن الاشقاء أولى من الأصدقاء! وعندما استُشهد عدد من الأشقاء الإماراتيين هناك طلبت الشقيقة الكبرى السعودية من دول المجلس المشاركة بالحرب البرية لحسم المعركة، لكن الكويت تحفظت لأسباب خاصة بها مما حرك مشاعر العتب عند الأشقاء من جديد!
انني اعتقد ان مصير الكويت مرتبط مع الأشقاء في دول مجلس التعاون وخاصة السعودية، أما الجيران فلا بأس من مراعاة خواطرهم ومصالحهم، ولكن ليس على حساب وحدتنا الخليجية ومصيرنا المشترك، فالتجارب اثبتت ان بعض الجيران لا أمن لهم ولا أمان، ولا يعتد بمواثيقهم ومعاهداتهم، وانهم ينظرون لنا اليوم كمفتاح لحل جميع مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية! طبعاً عن طريق ضمنا لهم بالقوة، ولا أقول ذلك تجنياً، فالأدلة كثيرة والشواهد على ما نقول عديدة! أما الأشقاء فمهما تكسر فيهم ومهما تختلف معهم، فلن يضروك شيئاً ولن يزيدوا على توجيه اللوم والعتب لك، وهذا لا يمنع ان نطالب الاخوة في مجلس التعاون الخليجي بمراعاة وضع الكويت الجغرافي وحساسية العلاقة مع الجيران، خاصة ان الولايات المتحدة اليوم تسعى لتكليف إيران بمهمة شرطي الخليج مما يشجعها على التعامل بفوقية مع الدول التي ضمن نطاق تكليفها!
الكويت في وضع لا تُحسد عليه، فهي بين نارين، نار استفزاز الجيران الذين لا يؤتمنون، ونار غضب الأشقاء الذين لا يعوضون، وهذا يجعلنا نستعجل في ايجاد آلية توحد الأشقاء وتوجد لهم كيانا يستطيع مواجهة الشرطي الجديد وشطحاته وطموحاته التي لا تنتهي!