رغم ان الطلاق هو أبغض الحلال في الإسلام إلا انه أفضل للشركاء، كما يقول العقلاء والعلماء المختصون، من بقاء مكونات البيت المتناحرة تحت سقف واحد مليء بالمشاكل والأحقاد التي قد تتسبب في إسالة الدماء وانتقال الكراهية لا الحب من الآباء إلى الأبناء، لذا أتى الأمر الرباني بخيار إما الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان.
***
قامت الأنظمة الثورية القمعية التي زرعت كالسرطان القاتل في جسد الوطن العربي وعواصم الحضارة في عقود الخمسينيات والستينيات وما بعدها بالإساءة الشديدة لمكونات وشركاء الأوطان الآخرين بدءا من نوع التأطير والتنظير السياسي لأنظمتها، كحكم مواطنيها غير العرب بنظام يمجد العرب فقط، كما حدث في العراق وسورية وليبيا، أو حكم مواطنين غير مسلمين بنظام يعتبرهم كافرين كما حدث في السودان في عهود النميري والبشير، مما يجعل الآخرين يشعرون بأنهم مضطهدون ومهمشون ولا يختلفون عن الأفارقة في جنوب افريقيا إبان الفصل العنصري.
***
إن بعض دولنا العربية ذاهبة دون شك للانفصال والانقسام بسبب ذلك التاريخ المرعب، إضافة الى ان ثورات الربيع العربي لم تحسّن الأوضاع الخاصة للأقليات الدينية والمذهبية والعرقية في الأوطان العربية، ولم تحسّن الأوضاع العامة، أو تخلق الدولة القدوة ومعها سبل العيش الكريم، بل على العكس تماما حيث تسببت حروب الميليشيات الطائفية في تهجير الأقليات ممن لم يعد كثير منهم يرغب في البقاء ضمن الدولة الواحدة بعد تجربة ثوريي الأمس من دعاة اليسار والقومية وثوريي اليوم من الميليشيات والطائفية المتخلفة القاطعة للرقاب والداعية للخراب.
***
ان أفضل ما يمكن لنا كعرب عمله هذه الأيام هو القبول بأقل الضرر، أي تقبّل انفصال من لم يعد يريد البقاء ضمن الدولة الواحدة والتسريح بإحسان دون سفك دماء البشر أو تدمير للحجر كي يعمل الزمن لصالحنا بدلا من العمل ضدنا كما يحدث هذه الأيام، حيث يزداد حساب الدم مع كل يوم يمر، وتصبح هناك بعد الانفصال الودّي فرصة لاتحادات كونفيدرالية أو فيدرالية جديدة مستقبلية تضم الدويلات المنفصلة والدولة الأم متى ما رأت تلك الدويلات ومنها جنوب السودان ان هناك تغيرات موجبة في عواصم تلك الدول بعد توقف الحروب فيها.
***
آخر محطة:
(1) كي نعرف مأساة الأقليات في بلدان الثوريات، التقيت بالرئيس مسعود البرزاني في أربيل، حيث ذكر ما حدث له بعد سقوط نظام صدام عام 2003، يقول سافرت للمرة الأولى في حياتي بجواز سفر عراقي، وانا وقومي أبناء العراق منذ آلاف السنين، وفوجئت بسفير بلدي يستقبلني ويضمني لحظة الوصول، وكانت علاقتي بسفراء بلدي العراق قبل ذلك انهم يبحثون عني كي يغتالوني.
(2) والتقيت بالكويت إبان حروب الجيش العراقي على الأكراد بالجنود العراقيين الهاربين من تلك الحروب، وكانوا يقولون اننا من الجنوب ولم نر في حياتنا جبالا أو ثلوجا، فبأي حق نُزجّ بحروب لا تنتهي ضد أبناء وطننا الأكراد (لا ضد أعداء الوطن) ونغزو قراهم وندمرها ونقتلهم ونهجرهم، وهم للعلم مقاتلون أشداء كونهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم؟
(3) بودّنا ان تصحو أمانة الجامعة العربية من غيبوبتها الأزلية وتفكر في إصدار اعتذار عربي علني جماعي لشركائنا في أقطارنا العربية عن الأخطاء الجسيمة التي حدثت بحقهم في الماضي لعل وعسى ينفع هذا الاعتذار المستحق في بقائهم ضمن البيت الواحد بدلا من الانفصال.