هي فكرة ابتدعتها قبل خمس سنوات مجموعة صغيرة جداً لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة، ارتكزت تلك الفكرة على ما يحبون وما يتمنون أن يتغير إلى الأفضل في محيطهم الصغير، فأطلقوا على فكرتهم اسم "نقاط" يحدوهم أمل بأن تتصل نقاطهم تلك بعضها ببعض لترسم صورة جميلة يتمنونها ويسعون باجتهاد إليها. لن أناقش تفاصيل فكرة نقاط في هذا المقال بقدر ما سأشارككم ملاحظتي القريبة لهذه الفكرة طوال السنوات الخمس من عمرها، إلا أنني ومن باب أن تكونوا على بينة حول ماهية مؤتمر "نقاط" فإنه باختصار مؤتمر ودورات مكثفة تعنى بالإبداع والمبدعين في مختلف المجالات كالتصميم والتصوير وتطوير الأفكار الخلاقة والرسم وغيرها من الفنون، ولتقريب الصورة فإن "نقاط" أشبه بملتقى فني دولي يقدم العديد من المحاضرات وورش العمل لرفع المستوى الإبداعي لدى المهتمين. كما أشرت آنفا، فإنني لست بصدد نقاش تفاصيل الفكرة لأنها خارج نطاق اختصاصي بقدر رغبتي في الحديث عن "نقاط" كمشروع جميل قائم ومستمر، فكما قلنا إن الفكرة بدأت من مجموعة صغيرة جداً قبل خمس سنوات لم تبالِ أبداً بالجمل النمطية كقلة الدعم وعدم تحفيز الدولة للشباب، وبذلت تلك المجموعة ما بوسعها للوصول إلى مقام مرتفع ومميز. لم يكن لدى تلك المجموعة أي من مقومات النجاح سوى الرغبة في تنفيذ فكرتهم وبعض الأساليب العصرية في تسويق تلك الفكرة دون الاعتماد على أحد، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة بشكل واسع كما هي اليوم لتسهل لهم نشر مشروعهم بشكل كبير، ولم يكن لهم شبكة كبيرة من العلاقات مع المبدعين في شتى أقطار العالم، ليستقطبوهم، ولا رصيدٌ كافٍ من العمل ليرغّبوا الناس في الالتفاف حولهم ولا سلعة ملموسة وسهلة الصنع كالـ"كب كيك" أو الرسم على القمصان لتحفز الناس وتسهل لأصحاب الفكرة عقد المؤتمر… ولم ولم ولم، إلا أنهم ثابروا فنجحوا. شارك في المؤتمر الأول قبل خمس سنوات عدد لا يتجاوز الخمسين شخصاً، وهو عدد أقل من حضور محاضرة جامعية، إلا أن طموحاتهم لم تتكسر بهذا الواقع، فواصلوا الإعداد والعمل لإنجاح فكرتهم، ليصل عدد المشاركين بعد خمس سنوات من العمل إلى أكثر من خمسة آلاف مشارك من مختلف دول العالم. نعم يا سادة، لقد نجحت تلك المجموعة الصغيرة رغم الصعوبات في تحويل فكرة إلى ملتقى يتطلع الناس إلى المشاركة فيه سنوياً، ومن مختلف الأقطار، حيث يتوافد الناس على الكويت خصوصاً للمشاركة في هذا المؤتمر القائم على جهود فردية مؤمنة بقدراتها وشغوفة بالوصول إلى التغير الإيجابي لامبالية بقلة دعم أو غيرها من عراقيل، لتصل فكرتها اليوم إلى موقع رائع قد لا تستطيع مؤسسات دولة الوصول إليه في سنوات وعقود. والسؤال هنا: ماذا لو كانت تلك المجموعة تملك مقومات كالتي لدى مؤسسات ووزارات الدولة؟ فعلى الرغم من أن وزاراتنا تملك كادراً بشرياً ضخماً وميزانية هائلة، إلا أن معظمها يعيش في دوامة الفشل، والسبب باختصار أنها تبتعد عن جودة ونوعية مؤسسي مجموعة "نقاط"، ومن مثلهم، بل ينبذونهم أيضاً. إن ما يحدث مع "نقاط" وغيره من المشاريع الناجحة يؤكد ما قلناه ونكرره بأن أزمتنا ليست في الكادر البشري الفعال أو العنصر المادي، بل هما متوافران بكثرة، وبالإمكان تحويل التراب إلى ذهب، ولكن كل أزمتنا في إدارة تحرص على الترضيات بعيداً عن الكفاءة والعمل والتطوير. فشكراً لـ "نقاط" ومؤسسيه حصة الحميضي ودانة الهلال وسارة النفيسي وواكيم زيدان، على هذا النموذج الرائع الذي قدمتموه، وأنا على يقين بأن النجاح سيظل حليفكم مستقبلاً مادمتم تكسرون المألوف البشع في سبيل المختلف الجميل.