لو كنت تجيد الإصابة بالبندقية لحد الكمال، وتجهل تماما المبارزة بالسيف لحد سقوطه المتكرر من يدك دون علمك، فهل يصح عقلا ومنطقا لو اضطررت لعبور غابة مليئة بالوحوش المفترسة الضارية ـ والمعترك الدولي أشبه بالغابة ـ ان تصطحب معك وبغفلة شديدة السيف الذي لا تجيد استخدامه وتترك البندقية؟!
***
هذه الفرضية المستحيلة، التي لا يعقل ان يقوم بها فرد مهما بلغت سذاجته كونها قد تؤدي الى مقتله، يقوم بها ومنذ 6 عقود كثير من شعوبنا العربية التي ما ان تمارس الاقتصاد والتجارة حتى تنجح وتتوحد وتفوز وتتقدم (تجربة الدول الخليجية الحالية كمثال)، فالعرب قبل انشغالهم الشديد بالسياسة الذي بدأ بعد عام 1952 وإنشاء إذاعة صوت العرب المحرضة والمؤججة والمدمرة آنذاك، كانوا يحققون نجاحات اقتصادية باهرة في مصر والعراق وسورية ولبنان.. إلخ.
***
وتحول العرب مع وصول الثوريات في الخمسينيات والستينيات وصرفهم وشرائهم لوسائل الإعلام بالوطن العربي الى الاهتمام بالسياسة، وهو السلاح الذي لا يتقنونه بانفعالهم على الاطلاق كون ذلك العلم يحتاج الى عقول ذكية باردة لا نملكها تؤمن بأنصاف الحلول للوصول للاتفاق، بينما تُلعب السياسة في منطقتنا بجهل شديد بأبسط قواعدها حيث تسود مبادئ الحقد وعدم المغفرة وحروب «داحس والغبراء»، وبيت الشاعر القائل: «لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، وزاد الطين بلة توافر وسائل الاتصال الاجتماعي عند الشعوب العربية، حيث تستخدم لدى الشعوب المتقدمة لرفع مستواها العلمي والمهني ولدينا للسياسة والتأجيج ونشر ما يفرقنا من طائفية وعرقية وخلافات لا تنتهي.
***
وأغنى دول العالم كما تظهر الاحصاءات التي لا تكذب ليست البلدان ذات الموارد الطبيعية كالنفط والذهب والألماس، كما انها ليست الدول الصناعية والزراعية، الأغنى هي دول الخدمات والسياحة والاستثمار والمراكز المالية كحال سويسرا وسنغافورة ولوكسمبورغ، وعليه يفترض في لبنان وهو بلد خدمات وسياحة واستثمار ومركز مالي من الدرجة الأولى ان يكون أغنى دول منطقة الشـرق الأوسط قاطبة لولا ولع شعبه الشديد بالسـياسة التي تفرقه وتشتته وتدخله الحروب الأهلية والخارجية على حساب الاقتـصاد، الذين هم سادته وخير محترفـيه فـي كل بلد يحلون فيه، فلماذا لا يطلّق الشعب اللبناني السياسة بالثلاث ويتزوج الاقتصاد بالأربع؟!
***
آخر محطة: الضرب المتعمد كل صيف للسياحة في لبنان ليس مصادفة بل أمر مخطط له بعناية ممن يعرفون ان أموال السياحة والاستثمار والخدمات ستغني الشعب اللبناني بأكمله كحال شعوب سنغافورة وسويسرا.. إلخ، ولن تكون هناك حاجة لأموال الخارج التي تعمر قليلا.. وتدمر كثيرا!