لاحظت في الفترة الأخيرة زيادة لافتة في عدد السيارات الفارهة في شارعنا، لأن غالبية قاطنيه، او ابناءهم، من موظفي الدولة، وحيث انني لم اسمع بفوز أي منهم بيانصيب فمن الطبيعي الافتراض بأن أوضاعهم المالية تحسنت بصورة مفاجئة وغير متوقعة نتيجة الزيادات الفلكية في الرواتب، وذهبت غالبيتها لاقتناء سيارات غالية الثمن، وهو تصرف غير راشد ونتيجة «غير طبيعية» لزيادات غير منطقية! وقد ذكرني ما لاحظته في شارعنا بقصة «وزير السلطان»، الذي كان يمر يوما بمنطقة زراعية فرأى فلاحا يكدح في أرضه والعرق يتصبب منه، فأوقف موكبه ونزل عن حصانه ليسأله إن كان بحاجة لشيء، فشكره الرجل وقبّل كفيه ووضعهما على رأسه، في إشارة الى قناعته ورضاه بنصيبه! فسأله وزير السلطان عما يجنيه من مال من عمله الشاق، فقال المزارع انه يكسب من الأرض مبلغا صغيرا يصرف ربعه على حاجياته وطلبات زوجته وأولاده الضرورية، ويذهب الربع الثاني لشراء الطعام والشراب، والثالث يصرف للعناية بأخته المريضة، اما الرابع فيدفعه أجرة لصاحب الأرض! أعجب الوزير بقناعة الرجل وحسن تصرفه بما يجني، واهتمامه بأخته المريضة وهو شبه المعدم، فأصدر أمره لحاشيته بشراء الحقل من صاحبه وأن يوهب للمزارع! بعدها بأيام قام المزارع ببيع الأرض، وتطليق زوجته، والسفر إلى تايلند. فهكذا قرارات ينتح عنها هكذا تصرفات!
ما أود قوله ان موجة شراء رضا المواطنين وقبولهم عن طريق زيادات رواتب واسقاط قروض المصارف عنهم، أو فوائدها، وزيادة قروض بنك التسليف المخصصة للزواج أو الترميم وغير ذلك من مشهيات مادية، لن ينتج عنها غير إفساد المواطنين وخراب بيوت ونفوس الكثيرين منهم، ودفعهم أكثر للاتكال على الحكومة، التي طاب لها تشجيعهم على الصرف الاستهلاكي، والإيمان بمقولة «اصرف ما في الجيب وسيأتيك ما في الغيب»! وكان الأجدر بها، وهي التي تحب أن توصف بـ«الرشيدة»، إن كانت فعلا تبتغي زيادة رفاهية المواطن ورفع الغبن عنه، الاهتمام أكثر بما تقدمه من خدمات له، ورفع معاناته في الوزارات والمستشفيات وتحسين مستوى معيشته، وبناء مستشفيات ومستوصفات كافية، وإنشاء مدارس أفضل، واعتماد مناهج دراسية أكثر رقيا، وبناء طرق أكثر أمانا، وتشييد مسارح أكثر فائدة ومكتبات أكثر غنى بما فيها من معارف، وغير ذلك الكثير مما ينقص المواطن ويقلل من مستوى معيشته، والذي كان ينقص ذلك الفلاح ولم يهتم الوزير بتوفيرها له! ولكن هذه المشاريع تحتاج لتخطيط وتفكير وتنفيذ ومراقبة وبرمجة وإشراف مالي وإداري وهندسي، وجميعها أعمال مثيرة لضجر الحكومة ورئيسها، وتأخذ عادة سنوات لتنفيذها، إن نفذت أصلا، والأفضل بالتالي شراء ود المواطن وولاءه بعطايا نقدية ومنح مالية ورواتب مجزية وخصومات فلكية، وكفى الحكومة شر التخطيط والتدقيق والمراقبة، ولنذهب جميعا لتايلند… لأن الأمر لا يبدو أنه سيأتي يوما، كـ«غودو»!
أحمد الصراف