لم يتوقع احد حجم رد الفعل الشعبي والرسمي على العمل الإرهابي الذي أصاب الكويت، ولكن كل ذلك سينتهي، إن لم يتم التصدي للجريمة ومعرفة أسبابها. ففي أعقاب الهزيمة التي تعرضت لها إسرائيل، في الأيام الأولى من حرب 1973، شكل الكنيست لجنة برئاسة أجرانات، رئيس المحكمة، للتحقيق في سبب القصور الذي اعترى أداء الجيش الإسرائيلي. بعد جلسات ومقابلات وشهود، خرجت اللجنة بتقريرها الذي ساهمت مواده في جعل إسرائيل دولة أكثر امانا!
ما تعرضت له الكويت يوم الجمعة الماضي، يشبه، في بعض أوجهه، ما تعرضت له إسرائيل عام 1973. فدافع الضرائب الإسرائيلي، الذي دفع «دم» قلبه على الجيش والمخابرات، يريد أن يعرف سبب فشلها في التنبؤ بما كان سيحدث؟
وفي الكويت صرف من المال العام المليارات على لجان الوسطية ومراكزها، وكتابة وتعديل وإعادة تعديل المناهج الدراسية، وتجهيز الدعاة، وتوظيف الخطباء، ودفع التبرعات والمعونات لمختلف الجهات، والصرف على قنوات فضائية وإذاعية دينية، وعلى لجنة النظر في أسلمة القوانين، ومسابقات الحفظ، واستضافة الدعاة المتشددين، كل ذلك بغية كسب ود الجماعات الدينية، واتقاء شرها. وفجأة جاءتنا الكارثة من المصدر نفسه، واكتشفنا أن كل الذي صرف من مال وبذل من جهد ضاع، أو لم يصرف في مكانه المناسب، وأننا كنا نجري وراء سراب، ولم ننجح إلا في رهن كويت المحبة والتسامح لأصحاب الفكر المتخلف، بعد إسكات الأصوات المخالفة لها. نعم لقد ساهمنا، حكوميا وشعبيا، من دون استثناء فرقة عن غيرها، في استضافة كل اولئك الذين ساهموا في تكفير هذا الطرف وتلك الجهة في نوادينا ومساجدنا ودواويننا.
وبالتالي أصبح الأمر يتطلب تكوين لجنة شعبية، ليس للتحقيق في أوجه القصور الحكومية، فمصير تقرير هذه اللجنة لن يكون افضل من غيره، بل للنظر في أوجه القصور الشعبية والحكومية التي اعترت مسيرة الدولة خلال السنوات الثلاثين الماضية، ومراجعة السياسات الدينية والتعليمية التي اتبعت، والتي أدت إلى تحويل الكويت لدولة رجال دين وليس سياسة. وللنظر في جدوى وجود كلية للشريعة، وهل نحن بحاجة الى تدريس الدين بكل هذا الزخم؟ وهل الكويت بحاجة الى هذا العدد من جمعيات إخوان وسلف ومبرات؟ وهل نحن بحاجة الى مرشدي وسطية، خصوصا إن كانت اشكالهم، دع عنك أفكارهم، أبعد ما تكون عن الوسطية؟ وهل نحن بحاجة الى لجنة أسلمة القوانين؟ وهل ساهمت مسابقات وجوائز «الحفظ» في جعل الكويت اكثر أمنا؟ وما جدوى الصرف على القنوات ومحطات الإذاعة الدينية؟ هذا غير عشرات الأسئلة الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها.
الخلاصة أننا نعيش ماديا في القرن الواحد والعشرين، ولكن تصرفاتنا وطريقة تفكيرنا تعود للقرون الوسطى، فإما أن نكون «شعبيا بالذات»، بمستوى التحدي الحضاري، ونتصرف بقدر كبير من التسامح مع الآخر، ونمنع مدعي العلم من أخذنا لدروب الظلام والجهل والتخلف، واما أن يتوقف بعضنا عن مخادعة بعض. فكمّ الحقد والبغض اللذين يكنهما كل فريق للآخر أمر محزن حقا، وبالتالي فان من فجر نفسه في مسجد الصادق ليس صنيعة «داعش» فقط، بل هو قبل ذلك صنيعة مجتمعنا نحن، الذين لا يتقبل بعضنا بعضا! هل تريدون أمثلة؟