من جديد، تسقط أقنعة النظام الحاكم في البحرين، وينكشف زيف ادعاءات الديموقراطية أمام الملأ، ويعترف بأنه نظامٌ مستبدٌ لا يريد إلا سماع صوته، وفرض أجندته المستوردة من الرياض؛ أجندةٌ تحميها «قاعدة الأسطول الخامس الأميركي، ويكللها التاج الملكي البريطاني». ظن النظام الحاكم في البحرين أن الحكم على أمين عام جمعية «الوفاق» المعارضة، علي سلمان، بالسجن أربع سنوات سيمكنه من التخلص من صوت المطالب الشعبية. وللمصادفة، الأربع سنوات هي عمر الحراك الشعبي الذي انطلق في ثورة 14 شباط 2011.
لم يُحاكم نظام آل خليفة في البحرين، أمس، زعيم المعارضة علي سلمان وزجّ به في السجن، بل حاكم نفسه بقضائه غير المستقل، وفي قاعات محاكمه الصوريّة، حتى حكم القضاء بسجن النظام الحاكم لأربع سنوات عن الشارع البحريني، لتغيب الديموقراطية التي يدّعيها أمام المجتمع الدولي.
وأصدرت المحكمة الكبرى الجنائية في البحرين، أمس، حكماً بسجن الأمين العام لجمعية «الوفاق» المعارضة علي سلمان أربع سنوات، بعد أن إدانته بتهمة التحريض.
وقالت النيابة العامة البحرينية في حسابها على موقع «تويتر» إن سلمان أدين بـ«بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام والتحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين» وإهانة وزارة الداخلية بوصف منتسبيها بأنهم مرتزقة، وزعم انتماء بعضهم إلى تنظيمات إرهابية، وبرّأت المحكمة سلمان من تهمة الترويج لتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد بوسائل غير مشروعة.
هيئة الدفاع عن سلمان لم تفاجأ بالحكم الذي صدر بحقه بحسب المحامية جليلة السيد.
تشير السيد في حديث إلى «الأخبار» إلى أنها كانت تتوقع الحكم نتيجة لمؤشرات سابقة، فالنيابة العامة منعت المحامين من حضور إجراءات التحقيق، وامتنعت المحكمة عن عرض تسجيلات خطابات سلمان التي تثبت براءته، أو تمكينه من الدفاع عن نفسه أو السماح لفريق الدفاع بتقديم مرافعته، كذلك رفضت المحكمة مساءلة فريق الدفاع لشاهد الإثبات الوحيد في القضية، وهو ضابطٌ في وزارة الداخلية، الذي أعدّ تقرير الاتهام الموجّه لسلمان.
وأوضحت السيد أن المحكمة كانت تتحكم في وقت الزيارات لموكلها، ولم تمنحهم إلا وقتاً قصيراً، ولم يتسنَّ لفريق الدفاع لقاء سلمان إلا قبل يومين من جلسة الحكم الأخيرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى شاهد الاستجواب والإثبات (الضابط في وزارة الداخلية). ولفتت إلى أن أجواء محاكمة سلمان غير مسبوقة بالنسبة إلى المحامين في تاريخ المحاكم في البحرين، الذين تعرّضوا للتفتيش الشخصي قبل الجلسات، كذلك لم تقدم المحكمة فرصة لفريق الدفاع لتقديم ردود على اتهاماتها، إضافة إلى مقاطعة سلمان حين محاولة الكلام.
وشددت السيد على أن حكم البراءة على سلمان من تهمة الترويج لتغيير النظام بالقوة والتهديد لا يعني أنه «صك براءة للمحكمة» بأنها توافرت فيها معايير المحاكمة العادلة، بل لانعدام الدليل على هذه التهمة.
وشدّدت السيد على أن المحاكمة سياسية لسلمان، والنظام يستهدف «الوفاق» وأعضاءها قضائياً، لوقف نشاط الجمعية السياسي، و«هذا الأمين العام للجمعية تصادر حريته في محاكمة لم يوفر له حق الدفاع عن نفسه بشكلٍ حقيقي» حسب تعبيرها.
هدف السلطة هو إدانة أمين عام «الوفاق» بحكم قضائي تام، أي بعد تأكيد الحكم من قبل محكمتي الاستئناف والتمييز، ليتسنى لوزارة العدل المشرفة على عمل الجمعيات السياسية في البحرين المطالبة بإسقاط سلمان من منصبه الذي يشترط فيه أن تكون الصحيفة الجنائية للشخص الذي يحتل منصب أمين عام جمعية سياسية خالياً من أية إدانة. هذا تحد آخر، مع الاشارة إلى أن نائب رئيس شورى «الوفاق» محمد جميل الجمري قال في وقفة تضامنية قبل ليلة من صدور الحكم: «متمسكون بقيادة الشيخ علي سلمان».
أما المحامي عبدالله الشملاوي، فقد رأى أن الحكم بسجن سلمان هو رد فعل على استجابة جمهوره بتصفير صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية نهاية عام 2014، فجاء اعتقاله «لتصفيره من قيادة الوفاق». فبموجب الحكم، سيتعين على الوفاق انتخاب أمين عام جديد، وتصفير الوفاق يعني تصفير المعارضة ككل وينفض «مولد ميثاق العمل الوطني».
ونقل الناشط حسين برويز عن والده المعتقل محمد جواد برويز أن سلمان تم نقله إلى مبنى ٧ في سجن جو المركزي، وهو المبنى الذي يضم قيادات المعارضة المعتقلين منذ آذار ٢٠١١.
ولم يمر الحكم على سلمان دون ردود فعل من قبل المعارضة البحرينية الذين اتفقوا على أن الاعتقال والمحاكمة والحكم على سلمان كانت «باقة مسيّسة» بامتياز.
جمعية «الوفاق» رفضت في بيان أمانتها العامة الحُكم الصادر على أمينها العام، معتبرةً أنه «باطل وليس له أي أساس قانوني أو اعتبار قضائي»، مضيفةً أن ليس له قيمة في الميزان القضائي والسياسي «لأنه يأتي ضمن حملة أمنية تطال كل من يطالب بحقه».
ورأت أن «الحُكم على الشيخ علي سلمان يمثل محاكمة لمطالب شعب البحرين العادلة ومواقفه الوطنية، فالحكم يعبّر عن محاكمة للوحدة الوطنية ومحاكمة لمنهج السلم ومحاكمة للغة الاعتدال ومحاكمة لمطالب الأغلبية السياسية من شعب البحرين في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان».
كذلك طالبت «الوفاق» بتسهيل دولي وإقليمي لحوار وتفاوض وطني جاد، لإخراج البحرين من المأزق السياسي الحاد بعد فشل الحوار الداخلي، ودستور جديد، والعمل على وقف الخيارات الأمنية المدمرة، وتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية للتحقيق في كل الملفات العالقة وتجاوزات حقوق الإنسان.
وقالت الأمانة العام في بيانها الذي ألقاه المساعد السياسي للأمين العام، خليل المرزوق، «كنا وما زلنا وسنبقى نرفع راية الإصلاح، بعيداً عن الاستئثار والتبعية والفساد والظلم والتمييز والتهميش والعبث في كل مقومات ومؤسسات الدولة».
بدوره، رأى أمين عام جمعية «وعد» المعارضة، رضي الموسوي، أن الحكم الصادر بحق سلمان حكماً يشوبه «العوار القانوني»، لعدم تمكينه من المرافعة وعدم السماح لهيئة الدفاع بتقديم مرافعاتها.
ويشدّد الموسوي في حديث إلى «الأخبار» وجوب شطب قضية سلمان والإفراج عنه لتبريد الساحة أمنياً وسياسياً، مؤكداً أن مشروع القوى الوطنية الديموقراطية المعارضة في جوهره مشروع إصلاحي ينطلق من خلاصات ميثاق العمل الوطني الذي صوّت عليه شعب البحرين قبل 14 عاماً، والمتمثل في تحقيق الملكية الدستورية على غرار الديموقراطيات العريقة.
ويشدد الموسوي على أن اعتقال أمين عام «الوفاق» علي سلمان يؤثر سلباً في أداء المعارضة بشكل عام، و«الوفاق» بشكلٍ خاص، إلا أن «ذلك لن يوقف الحراك السلمي الحضاري الذي نؤمن به ونواصل النضال لتحقيق مطالب شعبنا المشروعة».
وحذر الموسوي من أن اعتقال سلمان الذي لديه آلاف المؤيدين والمناصرين، سيقود الشارع إلى مزيد من التوتّر.
من جهته، أكد القيادي في «ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير»، ضياء البحراني، أن الرسالة التي يريد أن يوصلها النظام من خلال الحكم الصادر بسجن علي سلمان «هي أنه ماض و«بدعم بريطاني» صريح في أساليب قمعه وتنكيله ضدّ خصومه السياسيين، وجاعلاً مما يسمّى السلطة القضائية أداة قمعيّة بامتياز، إلى جانب أدوات القمع المختلفة، متجاوزاً بذلك كل المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وضارباً بالمعاهدات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان عرض الجدار».
وشدّد البحراني في حديثه إلى«الأخبار» على أن «هذا الحكم الذي صدر بحق سلمان، وبقية الأحكام التي صدرت بحق قادة المعارضة، لن تُضعف من الحراك الثوري المستمر في البحرين منذ عام 2011 ، بل إن تغوّل النظام في القتل والقمع واعتقال رموز المعارضة من شأنه أن يحفّز الجماهير البحرانيّة لمزيد من الحراك اليومي المناهض للحكم الخليفيّ الديكتاتوري».
وأشار إلى أن الحكم على سلمان يؤكد مرة أخرى أن نظام آل خليفة عصيّ على الإصلاح، ودعا البحراني إلى التلاحم الشعبي الواسع، من أجل انتزاع حق الشعب في تقرير مصيره، وفق ما تنصّ عليه المعاهدات الأممية.